والكلوح، كالمتهم المتفكر في أمر يدبره قال في التسهيل: البسور تقطيب الوجه وهو أشد من العبوس ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ واستكبر﴾ أي ثم أعرض عن الإِيمان، وتكبر عن اتباع الهدى والحق ﴿فَقَالَ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ أي فقال: ما هذا الذي يقوله محمد إلا سحر ينقله ويرويه عن السحرة ﴿إِنْ هاذآ إِلاَّ قَوْلُ البشر﴾ أي ليس هذا كلام الله، وما هو إلا كلام المخلوقين، يخدع به محمد القلوب، ويؤثر فيها كما يؤثر السحر بالمسحور قال الألوسي: هذا كالتأكيد للجملة الأولى، لأن المقصود منهما نفي كونه قرآنا أو من كلام الله تعالى، ولذلك لم يعطف عليها بالواو، وفي وصف إشكاله واستنباطه هذا القول السخيف استهزاء به، وإشارة إلى أنه عن الحق بمعزل، ويظهر من تتبع أحوال الوليد، أنه إنما قال ذلك عناداً وحمية جاهلية، لا جهلاً بحقيقة الحال، ألا ترى ثناءه على القرآن ونفيه عنه جمعي ما نسبوا إليه من الشعر والكهانة والجنون!! ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ أي سأدخله جهنم يتلظى حرها، ويذوق عذابها ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ ؟ استفهام للتهويل والتفظيع أي وما أعلمك أي شيء هي سقر؟ ﴿لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ﴾ أي لا تبقي على شيء فيها إلا أهلكته، ولا تترك أحداً من الفجار إلا أحرقته قال ابن عباس: لا تبقي من الدم والعظم واللحم شيئاً، فإذا أعيد خلقهم من جديد تعاود إحراقهم بأشد مما كانت وهكذا أبداً ﴿لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ﴾ أي تلوح وتظهر لأنظار الناس من مسافات بعيدة لعظمها وهو لها كقوله تعالى
﴿وَبُرِّزَتِ الجحيم لِمَن يرى﴾ [النازعات: ٣٦] قال الحسن: تلوح لهم من مسيرة خمسمائة عام حتى يروها عياناً فهي بارزة إلى أنظارهم، يرونها من غير استشراف ولا مدِّ أعناق ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ أي خزنتها الموكلون عليها تسعة عشر ملكاً من الزبانية الأشداء كقوله تعالى ﴿عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦] قال ابن عباس: «ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة، وقوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمع فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف انسان في قعر جهنم» قال الألوسي: روي عن ابن عباس أنها لما نزلت ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أُمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يعني محمداً يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الدَّهم أي العدد الشجعان، أفيعجز كل عشرةٍ منكم أن يبطشوا برجل منهم؟ فقال أبو الأشد الجمحي: وكان شديد البطش أنا أكفيكم سبعة عشر فأكفوني أنتم اثنين، فأنزل الله ﴿وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً﴾ أي وما جعلنا خزنة النار إِلا من الملائكة الغلاظ الشداد، ولم نجعلهم من البشر حتى يصارعوهم ويغالبوهم ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي لم نجعل ذلك العدد إلاَّ سبباً لفتنة وضلال المشركين، حين استقلوا بعددهم واستهزءوا حتى قال أبو جهل:


الصفحة التالية
Icon