الشفاعة إنما تنجع إِذا كان المحل قابلاً، فأما من وافى الله كافراً فإِنه مخلد في النار أبداً.
. ولما ذكر تعالى قبائحهم وشنائعهم عاد بالتوبيخ والتقريع عليهم فقال ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ﴾ ؟ فما لهؤلاء المشركين معرضين عن القرآن وآياته، وما فيه من المواعظ البليغة والنصائح والإِرشادات؟ ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ﴾ أي كأن هؤلاء الكفار حمر وحشية نافرة وشاردة ﴿فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ﴾ أي هربت ونفرت من الأسد من شدة الفزع قال في البحر: شبههم تعالى بالحمر النافرة مذمة لهم وتهجيناً وقال ابن عباس: الحمر الوحشية إِذا عاينت الأسد هربت، كذلك هؤلاء المشركون إِذا رأوا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هربوا منه كما يهرب الحمار من الأسد ثم قال: والقسورة: الأسد ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾ أي بل يطمع كل واحد من هؤلاء المجرمين أن ينزل عليه كتاب من الله كما أُنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ويريد أن يتنزَّل عليه الوحي كما تنزَّل على الرسل والأنبياء، والغرض من الآية بيان إمعانهم في الضلالة وكأنه يقول: دع عنك ذكر إِعراضهم وغباوتهم ونفارهم نفار العجماوات مما فيه خيرهم وسعادتهم، واستمع لما هو أعجب وأغرب، وذلك طمع كل فردٍ منهم أن يكون رسولاً يوحى إِليه، وهيهات أن يصل الاشقياء إلى مراتب الأنبياء، ثم قال تعالى ﴿كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخرة﴾ أي ليرتدعوا وينزجروا عن مثل ذلك الطمع، بل الحقيقة أنهم قوم لا يصدقون بالبعث والحساب، ولا يؤمنون بالنعيم والعذاب، وهذا هو الذي أفسدهمه وجعلهم يعرضون عن مواعظ القرآن ﴿كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ كرَّر الردع والزجر لهم بقوله ﴿كَلاَّ﴾ ثم قال ﴿إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ أي إِنَّ هذا القرآن موظعة بليغة، كافية لاتعاظهم لو أرادوا لأنفسهم السعادة ﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾ أي فمن شاء اتعظ بما فيه، وانتفع بهداه ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ أي وما يتعظون به إِلا أن يشاء الله لهم الهدى فيتذكروا ويتعظوا، وفيه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وترويح عن قلبه الشريف، مما كان يخامره من إِعراضهم وتكذيبهم له ﴿هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة﴾ أي هو جل وعلا أهلٌ لأن يتقى لشدة عقابه، وأهل لأن يغفر لمن آمن به وأَطاعه وفي الحديث عن أنس
«أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قرأ هذه الآية ﴿هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة﴾ ثم قال» قال ربكم: أنا أهل أن أُتقى، فمن اتقاني فلم يجعل معي إِلهاً فأنا أهلٌ أن أغفر له «.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين ﴿عَسِيرٌ.. ويَسِيرٍ﴾ كما أن بين اللفظتين جناس الاشتقاق.
٢ - المقابلة بين ﴿والليل إِذْ أَدْبَرَ﴾ وبين ﴿والصبح إِذَآ أَسْفَرَ﴾.
٣ - الإِطناب بتكرار الجملة ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ زيادة في التوبيخ والتشنيع.
٤ - جناس الاشتقاق ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور﴾.
٥ -


الصفحة التالية
Icon