كتب الله تبارك وتعالى إِلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ﴿عُذْراً أَوْ نُذْراً﴾ أي تلقي الوحي إِعذاراً من الله للعباد لئلا يبقى لهم حجة عند الله، أو إِنذاراً من الله للخلق بالنقمة والعذاب ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ﴾ أي وأُقسم بالرياح الشديدة الهبوب، إِذا أُرسلت عاصفة شديدة، قلعت الأشجار، وخربت الديار، وغيَّرت الآثار ﴿والناشرات نَشْراً﴾ هذا هو جواب القسم أي إِنَّ ما توعدون به من أمر القيامة، وأمر الحساب والجزاء، كائن لا محالة قال المفسرون: أقسم تعالى بخمسة أشياء، تنبيهاً على جلالة قدر المقسم به، وتعظيماً لشأن المقسم عليه، فأقسم بالرياح الي تحمل الرحمة والعذاب، وتسوق للعباد الخير أو الشر، وبالملائكة الأبرار، الذي يتنزلون بالوحي للإِعذار والإِنذار، أقسم على أن أمر القيامة حق لا شك فيه، وأن ما أوعد الله تعالى به المكذبين، من مجيء الساعة والثواب والعقاب، كائن لا محالة، فلا ينبغي الشك والامتراء.. ثم بيَّن تعالى وفصَّل وقت وقوع ذلك فقال ﴿فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ﴾ أي محيت النجوم وذهب نورها وضياؤها ﴿وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ﴾ أي شقت السماء وتصدَّعت ﴿وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ﴾ أي تطايرت الجبال وتناثرت حتى أصبحت هباءً تذروه الرياح كقوله تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾ [طه: ١٠٥] ﴿وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ﴾ أي جعل للرسل وقتٌ وأجل، للفصل بينهم وبين الأمم، وهو يوم القيامة كقوله تعالى ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٩] ؟ وأصل ﴿أُقِّتَتْ﴾ وُقِّتت من الوقت أي يجعل لها وقت محدد، قال الطبري: أي أُجّلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة وقال مجاهد: هو الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم ﴿لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ ؟ استفهامٌ لتعظيم ذلك اليوم، والتعجيب لما يقع فيه من الهول والشدة أي لأي يومٍ عظيم أُخرت الرسل؟ ثم قال ﴿لِيَوْمِ الفصل﴾ أي ليوم القضاء والفصل بين الخلائق، يوم يفصل الله بين الأنبياء وأممهم المكذبين بحكمه العادل ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل﴾ ؟ استفهام للتعظيم والتهويل أي وما أعلمك أيها الإِنسان بيوم الفصل وشدته وهوله؟ فإن ذلك اليوم أعظم من أن يعرف أمره إِنسان، أو يحيط به عقل أو وجدان، ووضع الظاهر ﴿مَا يَوْمُ الفصل﴾ مكان الضمير «ما هو» لزيادة تفظيع وتهويل أمره قال الإِمام الفخر: عجَّب العباد من تعظيم ذلك اليوم فقال: لأي يومٍ أُجّلت الأمور المتعلقة بهؤلاء الرسل، وهي تعذيب من كذَّبهم، وتعظيم من آمن بهم، وظهورما كانوا يدعون الخلق إلى الإِيمان به، من الأهوال والعرض والحساب، ثم إِنه تعالى بين ذلك فقال ﴿لِيَوْمِ الفصل﴾ وهو يوم يفصل الرحمن بين الخلائق، ثم أتبع ذلك تعظيماً ثانياً فقال ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل﴾ أي وما أعلمك ما هو يوم الفصل وشدته ومهابته؟ وجواب الشرط ﴿فَإِذَا النجوم﴾ الخ محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره: وقع ما توعدون به، وجرى ما أخبركم به الرسل من مجيء القيامة، والحذف على هذه الصورة من أساليب الإِيجاز البياني الذي امتاز به القرآن ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي هلاك عظيم وخسار كبير في ذلك اليوم لأولئك المكذبين بهذا اليوم الموعود قال المفسرون: كرَّر هذه