وكذبت ثمود وهم قوم صالح وقوم لوط، وأصحاب الأيكة أي الشجر الملتف وهم قوم شعيب ﴿أولئك الأحزاب﴾ أي أولئك هم الكفار الذين تحزبوا على رسلهم فأهلكهم الله، فليحذر هؤلاء المكذبون لرسول الله أن يصيبهم ما أصاب أسلافهم ﴿إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل﴾ أي ما كل من هؤلاء الأحزاب والأمم إلا كذَّب رسوله الذي أُرسل إليه ﴿فَحَقَّ عِقَابِ﴾ أي فثبت ووجب عليهم عقابي، وحذفت الياء مراعاة لرءوس الآيات ﴿وَمَا يَنظُرُ هؤلاءآء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً﴾ أي وما ينتظر هؤلاء المشركون كفار مكة إلا نفخة واحدة ينفخ فيها إسرافيل شفي الصور فيصعقون ﴿مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾ أي ليس لها من توقف ولا تكرار، قال ابن عباس: أي ما لها من رجوع قال المفسرون: أي أن هذه الصيحة إذا جاءت لا تستأخر ولو فترة قصيرة مقدار فواق ناقة وهي المسافة بين الحلبتين لأنها تجيء في موعدها المحدد، الذي لا يتقم ولا يتأخر قال الزمخشري: يريد أنها نفخة واحدة فحسب لا تثنى ولا تردد ﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحساب﴾ أي وقال كفار مكة على سبيل الاستهزاء والسخرية: عجّلْ لنا يا ربنا نصيبنا من العذاب الذي وعدته لنا، قبل أن يجيء يوم القايمة إن كان الأمر كما يقول محمد قال المفسرون: وإنما قالوا هذا على سبيل الاستهزاء كقوله تعالى
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب﴾ [الحج: ٤٧] ﴿اصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ أي اصبر يا محمد على تكذيبهم فإن الله ناصرك عليهم قال الصاوي: وفيه تسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتهديد للكفار ﴿واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد﴾ أي وتذكرْ عبدنا داود ذلك النبي الشاكر الصابر، ذا القوة في الدين، والقوة في البدن، فقد كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان يقوم نصف الليل ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي كثير الرجوع والإِنابة إلى الله، والاوَّابُ: الرجَّاع إلى الله قال أبو حيان: لما كانت مقالة المشركين تقتضي الاستخفاف بالدين، أمر تعالى نبيه بالصبر على أذاهم، وذكر قصصاً للأنبياء «داود، وسليمان، وأيوب» وغيرهم، وما عرض لهم فصبروا حتى فرج الله عنهم، وصارت عابتُهم أحسن عاقبة، فكذلك أنت تصبر ويئول أمرك إلى أحسن مآل ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق﴾ أي سخرنا الجبال لداود تسبح معه في المساء والصباح، وتصبحُ الجبال حقيقةٌ وكان معجزةً لداود عليه السلام كما قال تعالى ﴿ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير﴾ [سبأ: ١٠] ﴿والطير مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي وسخرنا له الطير مجموعة إليه تسبّح بتسبيحه وترجّع بترجيعه، إذا مرَّ به الطير وهو سابح في الهواء فسمعه يترنم بقراءة الزبور يقف في الهواء ويسبّح معه، وكذلك الجبال الشامخات كانت تُرجّع معه وتسبّح تعباً له، قال قتادة: ﴿أَوَّابٌ﴾ أي مطيع ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ أي قوينا ملكه وثبتناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود ﴿وَآتَيْنَاهُ الحكمة﴾ أي أعطيناه النبوَّة والفهم والإِصابة في الأمور ﴿وَفَصْلَ الخطاب﴾ أي الكلام البيِّن الذي يفهمه من يُخاطب به قال مجاهد: يعني إصابة القضاء وفهمه وقال القرطبي: البيان الفاصل بين الحق والباطل قال المفسرون: كان مُلك داود قوياً


الصفحة التالية
Icon