حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعسر فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حلَّته من نشاط ﴿والسابحات سَبْحاً﴾ أي وأقسم بالملائكة التي تنزل بأمر الله ووحيه من السماء كالذي يسبح في الماء، مسرعين لتنفيذ أمر الله ﴿فالسابقات سَبْقاً﴾ أي الملائكة التي تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة ﴿فالمدبرات أَمْراً﴾ أي الملائكة تدبّر شئون الكون بأمره تعالى، في الرياح، والأمطار، والأرزاق، والأعمار، وغير ذلك من شئون الدنيا، أقسم سبحانه بهذه الأصناف الخمسة على أن القيامة حق، وجواب القسم محذوف تقديره: لتبعثنَّ ولتحاسبنَّ، وقد دل عليه قوله ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة تَتْبَعُهَا الرادفة﴾ أي يوم ينفخ في الصُّور النفخة الأولى التي يرتجف ويتزلزل لها كل شيء، تتبعها النفخة الثانية وهي نخفة القيام من القبور قال ابن عباس: الراجفة والرادفة هما النفختان الأولى والثانية، أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله تعالى، وأما الثانية فتحيي كل شيء بإذن الله تعالى.. ثم ذكر تعالى حالة المكذبين وما يلقونه من الشدائد والأهوال فقال ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ أي قلوب الكفار في ذلك اليوم خائفة وجدلة مضطربة ﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾ أي أبصار أصحابها ذليلة حقيرة مما عاينت من الأهوال ﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة﴾ أي يقولون في الدنيا استهزاءً واستبعاداً للبعث: إِنكم تبعثون قالوا منكرين متعجبين: أنردُّ بعد موتنا إِلى أول الأمر، فنعود أحياء كما كنا قبل المرت؟ والعرب تقول: رجع فلان في حافرته أي رجع من حيث جاء ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾ أي هل إذا صرنا عظاماً بالية متفتتة سنرد ونبعث من جديد؟ ﴿قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ أي إِن كان البعث حقاً، وبعثنا بعد موتنا فسوف نكون من الخاسرين لأننا من أهل النار، قال تعالى ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ أي فإِنما هي صحية واحدة، يُنفخ فيها في الصور للقيام من القبور ﴿فَإِذَا هُم بالساهرة﴾ أي فإِذا الخلائق جميعاً على وجه الأرض بعدما كانوا في بطنها.
. ثم ذكر تعالى قصة موسى مع فرعون تسليةً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتحذيراً لقومه أن يحل بهم ما حلَّ بالطغاة المكذبين من قوم فرعون فقال ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى﴾ أسلوب تشويق وترغيب لسماع القصة أي هل جاءك يا محمد خبر موسى الكليم؟ ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بالواد المقدس طُوًى﴾ أي حين ناجاه ربه بالوادي المطهَّر المبارك المسمَّى ﴿طُوًى﴾ في أسفل جبل طور سيناء، قائلاً له ﴿اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى﴾ أي إِذهب إِلى فرعون الطاغية الجبار، الذي جاوز الحدَّ في الظلم والطغيان ﴿فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى﴾ ؟ أي هل لك رغبةٌ وميلٌ إِلى أن تتطهر من الذنوب والآثام؟ ﴿وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى﴾ أي وأرشدك إِلى معرفة ربك وطاعته فتتقيه وتخشاه؟ قال الزمخشري: ذكر الخشية لأنها ملاك الأمر، من خشي الله أتى منه كل خير، وبدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العَرض كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلام الرفيق الرقيق ليستدعيه بالتلطف، ويستنزله بالمداراة من عتوه كما في قوله تعالى ﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً﴾ [طه: ٤٤] ﴿فَأَرَاهُ الآية الكبرى﴾ في الكلام محذوف أي فذهب


الصفحة التالية
Icon