بذلك الإِنذار ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ أي كأن هؤلاء الكفار يوم يشاهدون القيامة وما فيها من الأهوال، لم يلبثوا في الدنيا إِلا ساعة من نهار، بمقدار عشيةٍ أو ضحاها. قال ابن كثير: يستقصرون مدة الحياة الدنيا، حتى كأنها عندهم عشية يوم، أو ضحى يوم.. ختم تعالى السورة الكريمة، بما أقسم عليه في أولها من إِثبات «الحشر، والبعث» فكان ذلك كالدليل والبرهان على مجيء القيامة والساعة، وليتناسق البدء مع الختام.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين الآخرة والأولى في قوله ﴿فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى﴾ لأن المراد كلمتيه الشنيعتين الأولى والأخيرة، والطباق كذلك بين ﴿عَشِيَّةً.. وضُحَاهَا﴾.
٢ - جناس الاشتقاق في قوله ﴿تَرْجُفُ الراجفة﴾.
٣ - المقابلة بين قوله ﴿السمآء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ وبين ﴿والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ وكذلك المقابلة بين ﴿فَأَمَّا مَن طغى وَآثَرَ الحياة الدنيا﴾ وبين ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النفس عَنِ الهوى﴾ الآيات.
٤ - أسلوب التشويق ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى﴾ ؟ فإِن المراد منه التشويق الى معرفة القصة.
٥ - الطباق بين ﴿الجنة.. الجحيم﴾ وبين ﴿السمآء.. والأرض﴾ الوارد في الآيات.
٦ - التشبيه المرسل المجمل ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾.
٧ - الاستعارة التصريحية ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ شبَّه أكل الناس برعي الأنعام، واستعير الرعي للإِنسان بجامع أكل الإِنسان والحيوان من النبات، ففيه استعارة لطيفة.
٨ - توافق الفواصل في الحرف الأخير مثل ﴿ضُحَاهَا، دَحَاهَا، مَرْعَاهَا، أَرْسَاهَا﴾ وهو من المحسنات الدبيعية ويمسى السجع.