منازلهم وأهليهم، رجعوا متلذيين يتفكهون بذكر المؤمنين والاستخفاف بهم قال في البحر: أي رجعوا متلذذين بذكرهم وبالضحك منهم استخفافاً بأهل الإِيمان ﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ﴾ أي وإِذا رأى الكفار المؤمنين قالوا: إِن هؤلاء لضالون لإِيمانهم بمحمد، وتركهم شهوات الحياة قال تعالى رداً عليهم ﴿وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ﴾ أي وما أُرسل الكفار حافظين على المؤمنين، يحفظون أعمالهم ويشهدون برشدهم أو ضلالهم، وفيه تهكم وسخرية بالكفار كأنه يقول: أنا ما أرسلتهم رقباء، ولا وكلتهم بفحظ أعمال عبادي المؤمنين، حتى يرشدوهم إِلى مصالحهم، فلم يشغلون أنفسهم فيما لا يعنيهم؟ ﴿فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ﴾ أي ففقي هذا اليوم يوم القيامة يضحك المؤمنون من الكفار، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا، جزاءً وفاقاً ﴿عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ﴾ أي والمؤمنون على أسرَّة الدر والياقوت، ينظرون إِلى الكفار ويضحكون عليهم قال القرطبي: يقال لأهل النار وهم في النار اخرجوا، فتفتح لهم أبواب النار، فإِذا رأوها قد فتحت أقبلوا إِليها يريدون الخروج، والمؤمنون ينظرون إِليهم على الأرائك، فإِذا انتهوا إِلى أبوابها أغلقت دونهم، فيضحك منهم المؤمنون ﴿هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ أي هل جوزي الكفار في الآخرة بما كنوا يفعلونه بالمؤمنين من السخرية والاستهزاء؟ نعم.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التنكير للتهويل والتفخيم ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾.
٢ - الطباق بي ﴿يَسْتَوْفُونَ﴾ و ﴿يُخْسِرُونَ﴾.
٣ - المقابلة بين حال الفجار والأبرار ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار..﴾ الخ و ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِي عِلِّيِّينَ..﴾ الخ.
٤ - التفخيم والتعظيم لمراتب الأبرار ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ ؟
٥ - جناس الاشتقاق ﴿فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون﴾.
٦ - الإِطناب بذكر أوصاف ونعيم المتقين ﴿إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم﴾.
٧ - التشبيه البليغ ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ أي كالمسك في الطيب والبهجة، فحذف منه الأداة ووجه الشبه فأصبح بليغاً.
٨ - توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات مثل ﴿يَضْحَكُونَ، يَنظُرُونَ، يَكْسِبُونَ، يَفْعَلُونَ﴾ الخ.


الصفحة التالية
Icon