صاحب العرش العظيم، وإنما أضاف العرش إلى الله وخصَّه بالذكر، لأن العرش أعظم المخلوقات، وأوسعُ من السمواتِ السبع، وخلقُه بهذا الوصف يدل على عظمة خالقه ﴿المجيد﴾ أي هو تعالى المجيدُ، العالي على جميع الخلائق، المتصف بجميع صفات الجلال والكمال ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ أي يفعل ما يشاء، ويحكم ما ريد، لا معقب لحكمه ولا رادَّ لقضائه قال القرطبي: أي لا يمتنع عليه شيء يريده. روي أن أبا بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قيل له وهو في مرض الموت: هل نظر إِليك الطبيبُ؟ قال: نعم، قالوا: فماذا قال لك؟ قال قال لي: (ِإِني فعَّالٌ لما أريد) ﴿هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود﴾ ؟ استفهامٌ للتشويق أي هل بلغك يا محمد خبر الجموع الكافرة، الذين تجنَّدوا لحرب الرسل والأنبياء؟ هل بلغك ما أحل الله بهم من البأس، وما أنزل عليهم من النقمة والعذاب؟ قال القرطبي: يؤنسه بذلك ويسليه، ثم بيَّن تعالى من هم فقال ﴿فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ أي هم فرعون وثمود، أولي البأس والشدة، فقد كانوا اشد بأساً، وأقوى مراساً من قومك، ومع ذلك فقد أخذهم الله تعالى بذنوبهم ﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ﴾ أي لم يعتبر كفار قريش بما حلَّ بأولئك الكفرة المكذبين، بل هم مستمرون في التكذيب فهم أشد منهم كفراً وطغياناً ﴿والله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ﴾ أي والله تعالى قادرٌ عليهم، لا يفوتونه ولا يعجزونه، لأنهم في قبضته في كل حينٍ وزمان ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ﴾ أي بل هذا الذي كذبوا به، كتابٌ عظيم شريف، متناهٍ في الشرف والمكانة، قد سما على سائر الكتب السماوية، في إِعجازه ونظمه وصحة معانيه ﴿فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ أي هو في اللوح المحفوظ الذي في السماء، محفوظٍ من الزيادة والنقص، والتحريف والتبديل.
البَلاَغَة: تضمنت السورة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بي ﴿يُبْدِىءُ.. وَيُعِيدُ﴾.
٢ - جناس الاشتقاق ﴿وَشَاهِدٍ.. وَمَشْهُودٍ﴾.
٣ - تأكيد المدح بما يشبه الذم ﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد﴾ كأنه يقول: ليس لهم جريمة إِلا إِيمانهم بالله، وهذا من أعظم المفاخر والمآثر.
٤ - المقابلة بين مصير المؤمنين ومصير المجرمين ﴿إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات﴾ الآية قابلة قوله ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جَنَّاتٌ..﴾ الخ.
٥ - أسلوب التشويق لاستماع الققصة ﴿هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود﴾ ؟
٦ - صيغة المبالغة مثل ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ ﴿العزيز الحميد﴾ وأمثال ذلك.
٧ - توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات مثل ﴿واليوم الموعود وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود النار ذَاتِ الوقود..﴾ الخ وهو من المحسنات البديعية ويسمى بالسجع والله أعلم.