ولما ذكر تعالى أمر المبدأ والمعاد، عاد فأقسم على صدق هذا الكتاب المعجز فقال ﴿والسمآء ذَاتِ الرجع﴾ أي أُقسم بالسماء ذات المطر، الذي يرجع على العباد حيناً بعد حين قال ابن عباس: الرَّجع المطرُ ولولاه لهلك الناس وهلكت مواشيهم ﴿والأرض ذَاتِ الصدع﴾ أي وأُقسم بالأرض التي تتصدع وتنشق، فيخرج منها النبات والأشجار والأزهار قال ابن عباس: هو انصداعها عن النبات والثمار.. أقسم سبحانه وتعالى بالسماء التي تفيض علينا الماء، والأرض التي تخرج لنا الثمار والنبات، والسماء للخلق كالأب، والأرض لهم كالأم، ومن بينهما تتولد النعم العظيمة، والخيرات العميمة، التي بها بقاء الإِنسان والحيوان ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ أي إِن هذا القرآن لقولٌ فاصل بين الحق والباطل، قد بلغ الغاية في بيانه وتشريعه وإِعجازه ﴿وَمَا هوَ بالهزل﴾ أي ليس فيه شيءٌ من اللهو والباطل والعبث، بل هو جدٌّ كله، لأنه كلام أحكم الحاكمين، فجديرٌ بقارئه أن يتعظ بآياته، ويستنير بتوجيهاته وإِرشاداته ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً﴾ أي إِن هؤلاء المشركين كفار مكة يعملون المكايد لإِطفاء نور الله، وإِبطال شريعة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿وَأَكِيدُ كَيْداً﴾ أي وأجازيهم على كيدهم بالإِمهال ثم النكال، حيث آخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر كقوله تعالى ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٢] قال أبو السعود: أي أقابلهم بكيد متين لا يمكن رده حيث استدرجهم من حيث لا يعلمون ﴿فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾ أي لا تستعجل في هلاكهم والانتقام منهم، وأُمهلهم قليلاً فسوف ترى ما أصنع بهم، وهذا منتهى الوعيد والتهديد.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام للتفخيم والتعظيم ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق﴾ ؟
٢ - الطباق بين ﴿السمآء والأرض﴾ وبين ﴿الفصل والهزل﴾.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿يَكِيدُونَ كَيْداً﴾.
٤ - الإِطناب بتكرار الفعل مبالغة في الوعيد ﴿فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾.
٥ - الكناية اللطيفة ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب﴾ كنَّى بالصلب عن الرجل، وبالترائب عن المرأمة، وهذا من لطيف الكنايات.
٦ - السجع الرصين الذي يزيد في جمال الأسلوب ورشاقته ونضارته مثل ﴿والسمآء ذَاتِ الرجع والأرض ذَاتِ الصدع﴾ ومثل ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هوَ بالهزل﴾ وهو من المحسنات البديعية.