يتفكرون، فإنما أنت واعظ ومرشد ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ أي لست بمتسلط عليهم ولا قاهر لهم حتى تجبرهم على الإِيمان ﴿إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ﴾ أي لكن من أعرض عن الوعظ والتذكير، وكفر بالله العلي القدير ﴿فَيُعَذِّبُهُ الله العذاب الأكبر﴾ أي فيعذبه الله بنار جهنم الدائم عذابها قال القرطبي: وإِنما قال ﴿الأكبر﴾ لأنهم عُذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والقتل والأسر ﴿إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ﴾ أي إِلنا وحدنا رجوعهم بعد الموت ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ أي ثم إن علينا وحدنا حسابهم وجزاءهم.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - أسلوب التشويق ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية﴾ ؟
٢ - المجار المرسل بإِطلاق الجزء وإرادة الكل ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾ المراد أصحابها.
٣ - الطباق في الحرف بين ﴿إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ.. وعَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾.
٤ - جناس الاشتقاق ﴿فَذَكِّرْ.. مُذَكِّرٌ﴾ وبين ﴿يُعَذِّبُهُ.. والعذاب﴾.
٥ - المقابلة بين وجوه الأبرار ووجوه الفجار ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ قابل بينها وبين سابقتها ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾.
٦ - السجع الرصين غير المتكلف مثل ﴿لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً﴾.. الخ.
تنبيه: روي أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما قدم الشام، أتاه راهب شيخ كبير عليه سواد، فلما رآه عمر بكى، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين إنه نصراني؟ فقال: ذكرتُ قول الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تصلى نَاراً حَامِيَةً﴾ فبكيتُ رحمةً عليه.


الصفحة التالية
Icon