بأيمانهم، ويسعدون بدخول جنات النعيم ﴿والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المشأمة﴾ قرن بين الأبرار والفجار على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب، لبيان المفارقة الهائلة بين أهل الجنة وأهل النار، وبين السعداء والأشرار أي والذين جحدوا نبوة محمد وكذبوا بالقرآن هم أهل الشمال أهل النار لأنهم يأخذون كتبهم بشمائلهم، وعبر عنهم بضمير الغائب إشارة إلى أنهم غائبون عن حضرة قدسه، وكرامة أُنسه ﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ﴾ أي عليهم نارٌ مطبقة مغلقة، لا يدخل فيها روحٌ ولا ريحان، ولا يخرجون منها أبد الزمان.
. اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، ونجنا من ذلك يا رب.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
١ - زيادة ﴿لاَ﴾ لتأكيد الكلام، وهو مستفيض في كلام العرب ﴿لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد﴾ أي أُقسم بهذا البلد، وفائدتها تأكيد القسم كقولك: لا والله ما ذاك كما تقول أي والله قال امرؤ القيس:
«لا وأبيك ابنة العامري»... ٢ جناس الاشتقاق ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ فكل من الوالد والولد مشتق من الولادة.
٣ - الاستفهام الإِنكاري للتوبيخ ﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ ؟ ومثله ﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ ؟
٤ - الاستفهام التقريري للتذكير بالنعم ﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ﴾ ؟
٥ - الاستفهام للتهويل والتعظيم ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا العقبة﴾ ؟ لأن الغرض تعظيم شأنها.
٦ - الاستعارة اللطيفة ﴿وَهَدَيْنَاهُ النجدين﴾ أي طريقي الخير والشر، وأصل النجد الطريق المرتفع، استعير كل منهما لسلوك طريق السعادة، وسلوك طريق الشقاوة.
٧ - الاستعارة كذلك في قوله ﴿فَلاَ اقتحم العقبة﴾ لأن أصل العقبة الطريق الوعر في الجبل، واستعيرت هنا للأعمال الصالحة لأنها لا تصعب وتشق على النفوس، ففيه استعارة تبعية.
٨ - الجناس الناقص بين ﴿مَقْرَبَةٍ﴾ و ﴿مَتْرَبَةٍ﴾ لتغير بعض الحروف.
٩ - المقابلة اللطيفة بين ﴿أولئك أَصْحَابُ الميمنة﴾ وبين ﴿هُمْ أَصْحَابُ المشأمة﴾.
١٠ - مراعاة الفواصل ورءوس الآيات مثل ﴿لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد.. وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ﴾ ومثل ﴿عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ﴾ وهو من المحسنات البديعية.


الصفحة التالية
Icon