المقدسة، ووصفها جلَّ وعلا بصفاتٍ ثلاث ليحظى العقل بإِدراك جلال الله تعالى وعظمته، كما يليق به جلَّ جلاله، فكان ذلك طريقاً إِلى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات، إِلى بيداء أوج كبريائه جلَّ شأنه ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ هذا هو جواب القسم أي لقد فاز وأفلح من زكَّى نفسه بطاعة الله، وطهَّرها من دنس المعاصي والآثام ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ أي وقد خسر وخاب من حقَّر نفسه بالكفر والمعاصي، وأوردها موارد الهلكة، فإِنَّ من طاوع هواه، وعصى أمر مولاه، فقد نقص من عداد العقلاء، والتحق بالجهلة الأغبياء.
. ثم ضرب تعالى مثلاً لمن طغى وبغى، ولم يطهر نفسه من دنس الكفر والعصيان، فذكر ﴿ثَمُودُ﴾ قوم صالح عليه السلام فقال ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ﴾ أي كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها ﴿إِذِ انبعث أَشْقَاهَا﴾ أي حين انطلق أشقى القةم بسرعةٍ ونشاط يعقر الناقة قال ابن كثير: وهو «قدار بن سالف» الذي قال الله فيه ﴿فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فتعاطى فَعَقَرَ﴾ [القمر: ٢٩] وكان عزيزاً شريفاً في قومه، ورئيساً مطاعاً فيهم، وهو أشقى القبيلة ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله﴾ أي فقال لهم صالح عليه السلام ﴿نَاقَةَ الله وَسُقْيَاهَا﴾ أي احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء، واحذروا أيضاً أن تمنعوها من سُقياها أي شربها ونصيبها من الماء كما قال تعالى ﴿لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥] ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾ أي فكذبوا نبيه صالحاً وقتلوا الناقة، ولم يتلفتوا إِلى تحذيره ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ﴾ أي فأهلكهم اللهُ ودمَّرهم عن آخرهم بسبب إِجرامهم وطغيانهم قال الخازن: والدمدمة: هلاكٌ باستئصال والمعنى أطبق عليهم العذاب طبقاً فلم ينفلت منهم أحد ﴿فَسَوَّاهَا﴾ أي فسوَّى بين القبيلة في العقوبة فلم يفلت منهم أحد، لا صغير ولا كبير، ولا غنيٌ ولا فقير ﴿وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ أي ولا يخاف تعالى عاقبة إِهلاكهم وتدميرهم، كما يخاف الرؤساء والملوك عاقبة ما يفعلون، لأنه تعالى لا يُسأل عما يفعل.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين ﴿الشمس والقمر﴾ و ﴿الليل والنهار﴾ وبين ﴿فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾.
٢ - المقابلة اللطيفة بين ﴿والنهار إِذَا جَلاَّهَا﴾ وبين ﴿والليل إِذَا يَغْشَاهَا﴾ وبين ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ وبين ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ وكلٌ من الطباق والمقابلة من المحسنات البديعية.
٣ - الإِضافة للتكريم والتشريف ﴿نَاقَةَ الله﴾ نسبت إِلى تشريفاً لأنها خرجت من حجرٍ أصم معجزةً لصالح عليه السلام.
٤ - التهويل والتفظيع ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ﴾ فإِن التعبير بالدمدمة يدل على هول العذاب.
٥ - السجع المرصَّع مراعاة للفواصل ورءوس الآيات وهو ظاهر جليٌ في السورة الكريمة.