وعنايته به ﴿وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى﴾ أي ووجدك تائهاً عن معرفة الشريعة والدين فهداك إِليها كقوله تعالى
﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان﴾ [الشورى: ٥٢] قال الإِمام الجلال: أي وجدك ضالاً عمان أنت عليه الآن من الشريعة فهداك إليها، وقيل: ضلَّ في بعض شعاب مكة وهو صغير فردَّه الله إِلى جده قال أبو حيان: لا يمكن حمله على الضلال الذي يقابله الهدى، لأن الأنبياء معصومون من ذلك قال ابن عباس: هو ضلاله وهو في صغره في شعاب مكة، وقيل: ضلَّ وهو مع عمه طريق الشام ﴿وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى﴾ أي ووجدك فقيراً محتاجاً فأغناك عن الخلق، بما يسَّ لك من أسباب التجارة.. ولمَّا عدَّد عليه هذه النعم الثلاث، وصَّاه بثلاث وصايا مقابلها فقال ﴿فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ﴾ أي فأما اليتيم فلا تحتقره ولا تغلبه على ماله قال مجاهد: أي لا تحتقره وقال سفيان: لا تظلمه بتضييع ماله، والمراد كن لليتيم كالأب الرحيم، فقد كنت يتيماً فآواك الله ﴿وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ﴾ أي وأمَّا السائل المستجدي الذي يسأل عن حاجة وفقر، فلا تزجره إِذا سألك ولا تُغلظ له القول بل أعطه أو ردَّه رداً جميلاً قال قتادة: ردَّ المسكين برفقٍ ولين ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ أي حدِّثْ الناس بفضل الله وإِنعامه عليك، فإِن التحدث بالنعمة شكر لها قال الألوسي: كنت يتيماً وضالاً وعائلاً، فأواك الله وهداك وأغناك، فلا تنس نعمة الله عليك في هذه الثلاث، فتعطَّف على اليتيم، وترحَّم على السائق، فقد ذقت اليتم والفقر، وأرشد العباد إِلى طريق الرشاد، كما هداك ربك.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين ﴿الآخِرَةُ﴾ و ﴿الأولى﴾ لأن المراد بالأولى الدنيا وهي تطابق الآخرة.
٢ - المقابلة اللطيفة ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى.. وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى﴾ قابلها بقوله ﴿فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ﴾ وهي من لطائق علم البديع.
٣ - الجناس الناقص بين ﴿تَقْهَرْ﴾ و ﴿تَنْهَرْ﴾ لتغير الحرف الثاني من الكلمتين.
٤ - السجع المرصَّع كأنه الدر المنظوم في عقد كريم ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى﴾ الخ.


الصفحة التالية
Icon