الألوسي: والمتبادرُ من السياقِ الإِشارة الى حالة الكافر يوم القيامة، وأنه يكون على أقبح صورة وأبشعها، بعد أن كان على أحسن صورة وأبدعها ﴿إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي إِلا المؤمنين المتقين الذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أي فلهم ثواب دائم غير مقطوع عنهم، وهو الجنة دار المتقين ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين﴾ الخطاب للإِنسان على طريقة الالتفات أي فما سبب تكذيبك أيها الانسان، بعد هذا البيان وبعد وضوح الدلائل والبراهين؟ فإِن خلق الإِنسان من نطفة، وإيجاده في أجمل شكل وأبدع صورة، من أوضح الدلائل على قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ على البعث والجزاء، فما الذي يدعوك إِلى التكذيب بيوم الدين بعد هذه البراهين؟ ﴿أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين﴾ أي أليس الله الذي خلق وأبدع، بأعدل العادلين حكماً وقضاءً وفصلاً بين العباد؟} وفي الحديث
«أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان إِذا قرأها قال: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين».
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - المجاز العقلي بإِطلاق الحال وإِرادة المحل ﴿والتين والزيتون﴾ أراد موضعهما الشام وبيت المقدس على القول الراجح.
٢ - الطباق بين ﴿أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ وبين ﴿أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿أَحْكَمِ الحاكمين﴾.
٤ - الالتفات من الغيبة إِلى الخطاب زيادة في التوبيخ والعتاب ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ﴾ ؟ {
٥ - الاستفهام التقريري ﴿أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين﴾ ؟
٦ - السجع المرصَّع ﴿البلد الأمين.. أَسْفَلَ سَافِلِينَ.. أَحْكَمِ الحاكمين﴾ والله أعلم.
لطيفَة: ذكر الإِمام القرطبي: أن «عيسى الهاشمي» كان يحب زوجته جباً شديداً، فقال لها يوماً: أنت طالقٌ ثلاثاً إِن لم تكوني أحسن من القمر} ! فاحتجبت عنه وقالت طلقتني، فحزن حزناً شديداً وذهب إِلى الخليفة «المنصور» وأخبره الخبر، فاستحضر الفقهاء واستفتاهم، فقال جميع من حضر: قد طُلّقت، إِلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة فقد بقى ساكتاً فقال له المنصور: مالك لا تتكلم؟ فقال له الرجل يا أمير المؤمنين: يقول الله تعالى ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ فليس شيء أحسن من الإِنسان، فقال صدقت، وردها إِلى زوجها.


الصفحة التالية
Icon