الجهل إِلى نور العلم، فكما علَّم سبحانه بواسطة الكتابة بالقلم، فإِنه يعلمك بلا واسطة وإِن كنت أمياً لا تقرأ ولا تكتب قال القرطبي: نبَّه تعالى على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إِنسان، وما دُونت العلوم ولا قُيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتبُ الله المنزَّلة إِلا بالكتابة، ولولاها ما استقامت أمور الدنيا والدين.
. وهذه الآيات الخمس هي أول ما تنزَّل من القرآن، كما ثبت في الصحاح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نزل عليه الملك وهو يتعبَّد بغار حراء، فقال: اقرأ، فقال ما أنا بقارىء.. الخ قال ابن كثير: أول شيء نزل من القرآن هذه الآيات المباركات، وهنَّ أول رحمةٍ رحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإِنسان من علقة، وأن من كرمه تعالى أن علَّم الإِنسان ما لم يعلم، فشرفه وكرَّمه وبالعلم، وهو القدر الذي امتاز به «آدم» على الملائكة.. ثم أخبر تعالى عن سبب بطر الإِنسان وطغيانه فقال ﴿كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى﴾ أي حقاً إِن الإِنسان ليتجاوز الحد في الطغيان، واتباع هوى النفس، ويستكبر على ربه عَزَّ وَجَلَّ ﴿أَن رَّآهُ استغنى﴾ أي من أجل أن رأى نفسه غنياً، وأصبح ذا ثروة ومال أشر وأبطر، ثم توعَّده وتهدده بقوله ﴿إِنَّ إلى رَبِّكَ الرجعى﴾ أي إنَّ إِلى ربك أيها الإِنسانُ المرجعُ والمصير فيجازيك على أعمالك، وفي الآية تهديدٌ وتحذير لهذا الإِنسان من عاقبة الطغيان، ثم هو عام لكل طاغٍ متكبر قال المفسرون: نزلت هذه الآيات إِلى آخر السورة في «أبي جهل» بعد نزول صدر السورة بمدة طويلة، وذلك أن أبا جهل كان يطغى بكثرة ماله، ويبالغ في عداوة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والعبرةُ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ﴿أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى﴾ تعجبٌ من حال ذلك الشقي الفاجر أي أخبرني يا محمد عن ذلك المجرم الأثيم، الذي ينهى عبداً من عباد الله عن الصلاة، ما استخفعقله، وما أشنع فعله! ﴿قال أبو السعود: هذه الآية تقبيحٌ وتشنيعٌ لحال الطاغي وتعجيب منها، وإِيذان بأنها من الشناعة الغرابة بحيث يقضى منها العجب، وقد أجمع المفسرون على أن العبد المصلي هو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وأن الذي نهاه هو اللعين «أبو جهل» حيث قال: لئن رأيتُ محمداً يصلي لأطأن على عنقه {أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الهدى﴾ أي أخبرني إن كان هذا العبد المصلي وهو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الذي تنهاه عن الصلاة صالحاً مهتدياً، على الطريقة المستقيمة في قوله وفعله} ﴿ {أَوْ أَمَرَ بالتقوى﴾ أي أو كان آمراً بالإِخلاص والتوحيد، داعياً إِلى الهدى والرشاد، كيف تزجره وتنهاه} {فما أبلهك أيا الغبي الذي تنهى من هذه أوصافه: عبدٌ لله