الصبر وتحمل الأذى في سبيل الله ﴿هذا ذِكْرٌ﴾ أي هذا الذي قصصناه عليك يا محمد من سيرة الرسل الكرام ذكرٌ جميلٌ لهم في الدنيا، وشرفٌ يذكرون به أبداً ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أي وإِن لكل متقرٍ لله مطيع لرسله لحسن مرجع ومنقلب، ثم فسره بقوله ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب﴾ أي جنات إقامة في دار الخلد والنعيم قد فتحت لهم أبوابها انتظاراً لقدومهم قال الرازي: إن الملائكة الموكلين بالجنان إذا رأوا المؤمنين فتحوا لهم أبوابها، وحيوهم بالسلام، فيدخلون كذلك محفوفين بالملائكة على أعزَّ حال، وأجمل هيئة ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ أي متكئين في الجنة على الأرائك وهي السرر الوثيرة ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾ أي وهم متكئون على الأسرَّة يطلبون أنواع الفواكة، وألوان الشراب كعادة الملوك في الدنيا قال ابن كثير: أي مهما طلبوا وجدوا، ومن أي أنواع شاءوا أتتهم به الخدام قال الصاوي: والاقتصار على دعاء الفاكهة للإِيذان بأن مطاعمهم لمحض التفكه والتلذذ دون التغذي لأنه لا جوع في الجنة ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف أَتْرَابٌ﴾ أي وعندهم الحور العين اللواتي لا ينظرن إلى غير أزواجهن أتراب أي في سنٍّ واحدة ﴿هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب﴾ أي هذا جزاؤكم الذي وعدتم به في الدنيا ﴿إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾ أي هذا النعيم عطاؤنا لأهل الجنة لا زوال له ولا انقطاع ولا انتهاء أبداً قال في الظلال: يبدأ هذا المشهد بمنظرين متقابلين تمام التقابل في المجموع والأجزاء، وفي السَّمات والهيئات: منظر المتقين لهم ﴿حُسْنَ مَآبٍ﴾ ومنظر الطاغين لهم ﴿شَرُّ مَآبٍ﴾ فأما الأولون فلهم جنات عدن مفتحةً لهم الأبواب، ولهم فيها راحة الاتكاء، ومتعمة الطعام والشراب، ولهم كذلك متعة الحوريات الشواب، وهنَّ مع شبابهن ﴿قَاصِرَاتُ الطرف﴾ لا يتطلعن ولا يمددن بأبصارهن، وكلهن شواب أتراب، وهو متاع دائم، ورزق من عند الله ما له من نفاد.


الصفحة التالية
Icon