وَمَآ أمروا إِلاَّ ليعبدوا إلها وَاحِداً} [التوبة: ٣١] ﴿حُنَفَآءَ﴾ أي مائلين عن الأديان كلها إِلى دين الإِسلام، مستقيمين على دين إِبراهيم، دين الحنيفية السمحة، الذي جاء به خاتم المرسلين ﴿وَيُقِيمُواْ الصلاة وَيُؤْتُواْ الزكاة﴾ أي وأُمروما بأن يؤدوا الصلاة على الوجه الأكمل، في أوقاتها بشروطها وخشوعها وآدابها، ويعطوا الزكاة لمستحقيها عن طيب نفس قال الصاوي: وخصَّ الصلاة والزكاة لشرفهما ﴿وَذَلِكَ دِينُ القيمة﴾ أي وذلك المذكور من العبادة والإِخلاص، وإِقام الصلاة وإِيتاء الزكاة، هنو دين الملة المستقيمة دين الإِسلام فلماذا لا يدخلون فيه؟ ثم ذكر تعالى مآل كل من الآبرار والأشرار، في دار الجزاء والقرار فقال ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ﴾ أي إِنَّ الذين كذبوا بالقرآن وبنبوة محمد عليه السلام، من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان، هؤلاء جميعهم يوم القيامة في نار جهنم، ماكثين فيها أبداً لا يخرجون منها ولا يموتون ﴿أولئك هُمْ شَرُّ البرية﴾ أي أولئك هم شر الخلق على الإِطلاق قال الامام الفخر: فإن قيل: لم ذكر ﴿كَفَرُواْ﴾ بلفظ الفعل، ﴿والمشركين﴾ باسم الفاعل؟ فالجواب تنبيهاً على أن أهل الكتاب ما كانوا كافرين من أول الأمر، لأنهم كانوا مصدقين بالتوارة والإِنجيل، ومقرين بمبعث محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثم أنهم كفروا بذلك بعد مبعثه عليه السلام، بخلاف المشركين فإِنهم ولدوا على عبادة الأوثان، وإِنكار الحشر والقيامة، وقوله ﴿أولئك هُمْ شَرُّ البرية﴾ لإِفادة الحصر أي شرٌ من السراق لأنهم سرقوا من كتاب الله صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشرُّ من قطاع الطريق، لأنهم قطعوا طريق الحق عن الخلق، ولما ذكر مقرٍ الأشقياء، ذكر بعده مقر السعداء فاقل ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي إن المؤمنين الذين جمعوا بين الإِيمان وصالح الأعمال ﴿أولئك هُمْ خَيْرُ البرية﴾ أي هم خير الخليقة التي خلقها الله ويرأها ﴿جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أي ثوابهم في الآخرة على ما قدموا من الإِيمان والأعمال الصالحة ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي جنات إِقامة تجري من تحت قصورها أنهار الجنة ﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ أي ما كثين فيها أبداً، لا يموتون ولا يخرجون منها، وهم في نعيم دائم لا ينقطع ﴿رِّضِىَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ أي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم بما قدموا في الدنيا من الطاعات وفعل الصالحات، ورضوا عنه بما أعطاهم من الخيرات والكرامات ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ أي ذلك الجزاء والثواب الحسن لمن خالف الله واتقاه، والنتهى عن معصية مولاه.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
١ - الإِجمال ثم التفصيل ﴿حتى تَأْتِيَهُمُ البينة﴾ ثم فصلها بقوله ﴿رَسُولٌ مِّنَ الله يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً﴾.
٢ - الطباق بين ﴿خَيْرُ البرية﴾ و ﴿شَرُّ البرية﴾.
٣ - الاستعارةى التصريحية ﴿يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً﴾ لفظة مطهرة فيها استعارة حيث شبه تنزه الصحف عن الباطل بطهارتها عن النجاس.
٤ - المقابلة بين نعيم الأبرار وعذب الفجار ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب..﴾ الآية وبين {


الصفحة التالية
Icon