ضيِّقاً، ثم يدخلون عليها كلمة «لا» في دعاء السوء ﴿قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ﴾ أي قال الأتباع للرؤساء الطغاة الذين أضلوهم بل أنتم لا أهلاً بكم ولا مرحباً قال المفسرون: عندما يدخل الأتباع جهنم تتلقاهم الرؤساء بقولهم ﴿لاَ مَرْحَباً بِكُمْ﴾ ألا تلقون هنا رحباً ولا خيراً وهذه تحية أهل النار كما قال تعالى ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف: ٣٨] فعند ذلك يقول لهم الداخلون ﴿بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ﴾ وهذا على حد قول القائل «تحيةُ بينهِم ضربٌ وجيع» فكذلك أهل النار يتلقون بعضهم باللعنات والشتائم بدل التحايا والسلام، ثم يعلِّل الأتباع ذلك بقولهم ﴿أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ القرار﴾ أي أنتم قدمتم لنا هذا العذاب وكنتم السبب في ضلالنا، فبئس المنزل والمستقر لنا ولكم نار جهنم ﴿قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النار﴾ هذا أيضاً من كلام الأتباع دعوا الله أن يضاعف العذاب لرؤسائهم الذين أوجبوا لهم العذاب فهو كقولهم
﴿رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار﴾ [الأعراف: ٣٨] والضعفُ زيادة المثل قال البيضاوي: وقال الأتباع أيضاً ﴿رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً﴾ أي مضاعفاً وذلك أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين ﴿وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار﴾ ؟ أي وقال الطغاة من رؤساء الكفر وأئمة الضلال: ما لنا لا نرى في النار هؤلاء الذين كنا نعدُّهم في الدنيا من الأشرار؟ يعنون بهم المؤمنين قال ابن عباس: يريدون أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول أبو جهل: أين بلال، أين صهيب، أين عمار؟ أولئك في الفردوس ﴿واعجباً لأبي جهل﴾ مسكين، أسلم ابنه عكرمة، وابنته جويرية، وأسلمت أُمه، وأسلم أخوه وكفر هو قال ابن كثير: هذا إِخبار عن الكفار في النار، أنهم يفتقدون رجالاً كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة وهم المؤمنون، يقول أبو جهل: ما لي لا أرى بلالاً وعماراً وصهيباً وفلاناً وفلاناً؟ وهذا ضربُ مثل وإلا فكل الكفار هذا حالهم، يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار، فلما دخلها الكفار افتقدوهم فلم يجدوهم، ثم قالوا ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار﴾ ؟ أي يؤنبون أنفسهم قائلين: أجعلنا هؤلاء المؤمنين في الدنيا هزءاً وسخرية؟ أم هم معنا في النار ولكن لا نراهم؟ قال البيضاوي: إنكار على أنفسهم وتأنيبُ لها في الاستسخار من المؤمنين، كأنهم قالوا: ليسوا ههنا في النار؟ أم مالت عنهم أبصارنا فلا نراهم؟ قال تعالى ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار﴾ أي إن هذا الذي أخبرناك به يا محمد من أقوال أهل النار وتخاصمهم، لهو الحقُّ الذي لا بدَّ وأن يتكلموا به، فنحن نخبرك عن قول الرؤساء ﴿لاَ مَرْحَباً بِهِمْ﴾ وقول الأتباع ﴿بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ﴾ من باب الخصومة ﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ﴾ هذا شروع في بيان مهمة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفي إثبات الوحدانية، والمعاد، والجزاء أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين: إِنما أنا


الصفحة التالية
Icon