وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} أي وإن تشكروا ربكم يرضى هذا الشكر منكم، لأجلكم ومنفعتكم لا لانتفاعه بطاعتكم قال أبو السعود: عدم رضائه بكفر عباده لأجل منفعتهم ودفع مضرَّتهم، رحمة بهم لا لتضرره تعالى بذلك، ورضاه بشكرهم لأجلهم ومنفعتهم لأنه سبب فوزهم بسعادة الدارين، ولهذا فرَّق بين اللفظين فقال «ولا يرضى لعباده الكفر» وقال هنا «يرضه لكم» لأن المراد بالأول تعميم الحكم ثم تعليله بكونهم عباده ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ أي ولا تحمل نفسٌ ذنب نفسٍ أخرى، بل كلٌ يؤاخذ بذنبه ﴿ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ﴾ أي ثم مرجعكم ومصيركم إليه تعالى ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي فيحاسبكم ويجازيكم على أعمالكم ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ أي يعلم ما تكنه السرائر وتخفيه الضمائر، وفيه تهديدٌ وبشارة للمطيع ﴿وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ﴾ أي وإذا أصاب الإِنسان الكافر شدة من فقر ومرضٍ وبلاء ﴿دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ﴾ أي تضرع إلى ربه في إزالة تلك الشدة، مقبلاً غليه مخبتاً مطيعاً ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ﴾ أي ثم إذا أعطاه نعمةً منه وفرَّج عنه كربته ﴿نَسِيَ مَا كَانَ يدعوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾ أي نسي الضرب الذي كان يدعو ربه لكشفه وتمرَّد وطغى ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ أي وجعل لله شركاء في العبادة ليصد عن دين الله وطاعته ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً﴾ أمرٌ للتهديد أي تمتع بهذه الحياة الدنيا الفانية، وتلذَّذ فيها وأنت على كفرك، عمراً قيلاً وزمناً يسيراً ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النار﴾ أي فمصيرك إلى نار جهنم، وأنت من المخلدين فيها ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اليل سَاجِداً وَقَآئِماً﴾ استفهام حذف جوابه لدلالة الكلام عليه أي أم من هو مطيع عابد في ساعات الليل يتعبد ربه في صلاته ساجداً وقائماً كمن أشرك بالله وجعل له أنداداً؟ قال القرطبي: بيَّن تعالى أن المؤمن ليس كالكافر الذي مضى ذكره ﴿يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ أي حال كونه خائفاً من عذاب الآخرة، راجياً رحمة ربه وهي الجنة، هل يستوي هذا المؤمن التقي مع ذلك الكافر الفاجر؟ لا يستون عند الله، ثم ضرب مثلاُ فقال ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ؟ أي هل يتساوى العالم والجاهل؟ فكما لا يتسوي هذان كذلك لا يستوي المطيع والعاصي ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب﴾ أي إنما يعتبر ويتعظ أصحاب العقول السليمة قال الإِمام الفخر: واعلم أن هذه الآية دالة على أسرار عجيبة، فأولها أنه بدأ فيها بذكر العمل، وختم فيها بذكر العلم، أما العمل فهو القنوت، والسجود، والقيام، وأما العلم ففي قوله ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ؟ وهذا يدل على أن كمال الإنسان محصورٌ في هذين المقصودين، فالعمل هو البداية، والعلم والمكاشفة هو النهاية، وفي الكلام حذف تقديره أمَّن هو قانتٌ كغيره؟ وإنما حسن هذا الحذف لدلالة الكلام عليه، لأنه تعالى ذكر قبل هذه الآية الكافر، ثم مثَّل بالذين يعلمون، وفيه تنبيه عظيم على فضيلة العلم ﴿قُلْ ياعباد الذين آمَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ﴾ أي قل يا محمد لعبادي المؤمنين يجمعوا بين الإِيمان وتقوى الله وهي البعدُ عن محارم الله قال المفسرون: نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزوا على الهجرة إلى أرض الحبشة والغرضُ منها التأنيس لهم والتنشيط إلى


الصفحة التالية
Icon