تعالى ليخوف به عباده، لينزجروا عن المحارم والمآثم ﴿ياعباد فاتقون﴾ أي يا أوليائي خافوا عذابي ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي، قال الزمخشي: وهذه عظة من الله تعالى لعباده ونصيحة بالغة.. والحكمة من ذكر أحوال النار تخويف المؤمنين منها ليتقوها بطاعة ربهم ﴿والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا﴾ لما ذكر وعيد عبده الأوثان، ذكر وعد أهل الفضل والإِحسان، ممن احترز عن الشرك والعصيان، ليكون الوعد مقروناً بالوعيد، فيحصل كمال الترغيب والترهيب والمعنى: والذين انتهوا عن عبادة الأوثان وطاعة الشيطان، وتباعدوا عنها كل البعد قال أبو السعود: «الطاغوت» البالغ أقصى غاية الطغيان كالرحموت والعظموت، والمراد به الشيطان وصف به للمبالغة ﴿وأنابوا إِلَى الله﴾ أي رجعوا إلى طاعة الله وعبادته ﴿لَهُمُ البشرى﴾ أي له البشرى السارة من الله تعالى بالفوز العظيم بجنات النعيم ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ أي فبشِّر عبادي المتقين الذين يستمعون الحديث والكلام فيتبعون أحسن ما فيه قال ابن عباس: هو الرجل يسمع الحسن والقبيح، فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به.
. وهذا ثناء من الله تعالى عليهم بنفوذ بصائرهم، وتمييزهم الأحسن من الكلام، فإذا سمعوا قولاً تبصَّروه وعملوا بما فيه، وأحسنُ الكلام كلام الله وخير الهدي هديُ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإنما وضع الظاهر ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ بدل الضمير (فبشرهم) تشريفاً لهم وتكريماً بالإِضافة إليه سبحانه ﴿أولئك الذين هَدَاهُمُ الله﴾ أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة هم الذين هداهم الله لما يرضاه، ووفقهم لنيل رضاه ﴿وأولئك هُمْ أُوْلُواْ الألباب﴾ أي أولئك هم أصحاب العقول السليمة، والفطر المستقيمة ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب﴾ أي أفمن وجبت له الشقاوة من الله تعالى، وجوابه محذوفٌ دلَّ عليه ما بعده أي هل تقدر على هدايته؟ لا ثم قال تعالى ﴿أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النار﴾ ؟ أي هل تستطيع يا محمد أن تنقذ من هو في الضلال والهلاك؟ قال القرطبي: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحرص على إِيمان قومه وقد سبقت لهم من الله الشقاوة فنزلت الآية، وقال بان عباس: يريد «أبا لهب» وولده ومن تخلَّف من عشيرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن الإِيمان، وكرر الاستفهام «أفأنت» تأكيداً لطول الكلام والمعنى: أفمن حقَّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟ ﴿لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ﴾ أي لكنْ المؤمنين الأبرار، المتقون للهِ في الدنيا، المتمسكون بشريعته وطاعته ﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ﴾ أي لهم في الجنة درجات عالية وقصورٌ شاهقة بعضها فوق بعض مبنية من زبرجدٍ وياقوت ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي تجري من تحت قصورها وأشجارها أنهار الجنة من غير أخدود ﴿وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد﴾ أي وعدهم الله بذلك وعداً مؤكداً لا يمكن أن يتخلف لأنه وعد العزيز التقدير.
تنبيه: قال الزمخشري: أفاد قوله تعالى ﴿يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ أن المؤمنين


الصفحة التالية
Icon