وتأخذهم قشعريرة عند تلاوة آيات القرآنُ، هيبةً من الرحمن وإجلالاً لكلامه ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله﴾ أي تطمئن وتسكن قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله قال المفسرون: إنهم عند سماع آيات الرحمة والإِحسان تلين جلودهم وقلوبهم وقال العارفون: إِذا نظروا إلى علم الجلال طاشوا، وإن لاح لهم أثرُ من عالم الجمال عشاوا قال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار، إِذا قرءوا آيات الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، تقشعر جلودهم من الخشية والخوف وإِذا قرءوا آيات الرحمة لانت جلودهم وقلوبهم، لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه ﴿ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ﴾ أي ذلك القرآن الذي تلك صفتُه هو هدى الله يهدي به من شاء من خلقه ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ أي ومن يخذلْه اللهُ فيجعل قلبه قاسياً مظلماً، فليس له مرشدٌ ولا هاد بعد الله ﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب يَوْمَ القيامة﴾ أي فمن يجعل وجهه وقاية من عذاب جهنم الشديد، وخبره محذوف تقديره كمن هو آمنٌ من العذاب؟ قال المفسرون: الوجه أشرف الأعضاء فإِذا وقع الإِنسان في شيء من المخاوف فإِنه يجعل يده وقاية لوجهه، وأيدي الكفار مغلولة يوم القيامة، فإِذا ألقوا في النار لم يجدوا شيئاً يتقونها به إلا وجوههم ﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ أي وتقول خزنة جهنم للكافرين: ذوقوا وبال ما كنت تكسبونه في الدنيا من الكفر والمعاصي ﴿كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي كذَّب من قبلهم من الأمم السالفة فأتاهم العذاب من جهةٍ لا تخطر ببالهم ﴿فَأَذَاقَهُمُ الله الخزي فِي الحياة الدنيا﴾ أي فأذاقهم الله الذُلَّ والصغار والهوان في الدنيا ﴿وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ﴾ أي ولعذاب الآخرة الذي أُعدَّ لهم أعظم بكثير من عذاب الدنيا ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لو كان عندهم علمٌ وفهم ما كذبوا ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي ولقد بينا ووضحنا للناس في هذا القرآن من كل الأمثال النافعة، والأخبار الواضحة ما يحتاجون إليه ﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ أي لعلهم يتعظون ويعتبرون بتلك الأمثال والزواجر ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ أي حال كونه قرآناً عربياً لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه، ولا تعارض ولا تناقض ﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ أي لكي يتقوا الله ويجتنبوا محارمه.
. ثم ذكر تعالى مثلاً لمن يشرك بالله ولمن يوحِّده فقال ﴿ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ﴾ أي ضرب الله لكم أيها الناس هذا المثل: رجلٌ من المماليك اشترك فيه ملاكٌ سيئو الأخلاق، بينهم اختلاف وتنازع، يتجاذبونه في حوائجهم، هذا يأمره بأمرٍ وذاك يأمره بمخالفته، وهو متحيِّر موزّع القلب، لا يدري لمن يرضي؟ ﴿وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ﴾ هذا من تتم المثل أي رجلاً آخر لا يملكه إلا شخص واحد، حسن الأخلاق، فهو عبد مملوك لسيد واحد، يخدمه بإِخلاص ويتفانى في خدمته، ولا يلقى من سيده إلا إحساناً ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً﴾ أي هل يستوي هذا وهذا في حسن الحال، وراحة البال؟ فكذلك لا يتساوى المؤمن الموحِّد مع المشرك الذي يعبد آلهة شتى. قال ابن عباس: هذه الآية ضربت مثلاً للمشرك والمخلص وقال الرازي: وهذا مثلٌ ضُرب في غاية الحُسن في تقبيح