أو يصيبكم؟ والغرض التهديد والتخويف قال أبو السعود: وفي الآية مبالغة في الوعيد، وإشعارٌ بأن حاله عليه السلام لا تزال تزداد قوةً بنصر الله وتأييده، وفي خزي أعدائه دليل غلبته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وقد عذبهم الله وأخزاهم يوم بدر ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب لِلنَّاسِ بالحق﴾ أي نحن أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن المعجز في بيانه، الساطع في برهانه، لجميع الخلق، بالحقِّ الواضح الذي لا يلتبس به الباطل ﴿فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ أين فمن اهتدى فنفعه يعود عليه، ومن ضلَّ فضرر ضلاله لا يعود إلا عليه ﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ أي لستَ بموكَّل عليهم حتى تجبرهم على الإِيمان قال الصاوي: وفي هذا تسلية له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمعنى: ليس هداهم بيدك حتى تقهرهم وتجبرهم عليه، وإنما هو بيدنا، فإِن شئنا هديناهم وإن شئنا أبقيناهم على ما هم عليه من الضلال ﴿الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا﴾ أي يقبضها من الأبدان عند فناء آجالها وهي الوفاة الكبرى ﴿والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها وهي الوفاة الصغرى قال في التسهيل: هذه الآية للاعتبار ومعناها أن الله يتوفى النفوس على وجهين: أحدهما: وفاة كاملة حقيقة وهي الموت، والآخر: وفاة النوم لأن النائم كالميت، في كونه لا يُبصر ولا يسمع، ومنه قوله تعالى
﴿وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل﴾ [الأنعام: ٦٠] وفي الآية عطف والتقدير: ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها وقال ابن كثير: أخبر تعالى بأنه المتصرف في الوجود كما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الملائكة الذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصغرى عند المنام ﴿فَيُمْسِكُ التي قضى عَلَيْهَا الموت﴾ أي فيمسك الروح التي قضى على صاحبها الموتَ فلا يردها إلى البدن ﴿وَيُرْسِلُ الأخرى إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي ويرسل الأنفس النائمة إلى بدنها عند اليقظة إلى وقت محدود، هو أجل موتها الحقيق قال ابن عباس: إنَّ أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فتتعارف ما شاء الله لها، فإِذا أرادت الرجوع إلى أجسادها، أمسك الله أرواح الأموات عنده، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها قال القرطبي: وفي الآية تنبيه على عظيم قدرته تعالى، وانفراده بالألوهية، وأنه يحيي ويميت، ويفعل ما يشاء، لا يقدر على ذلك سواه، ولهذا قال ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي إن في هذه الأفعال العجيبة لعلامات واضحة قاطعة، على كمال قدرة الله وعلمه، لقومٍ يجيلون أفكارهم فيها فيعتبرون ﴿أَمِ اتخذوا مِن دُونِ الله شُفَعَآءَ﴾ أمْ للإِضراب أي لم يتفكروا بل اتخذوا لهم شفعشاء من الأوثان والأصنام، فانظر إلى فرط جهالتهم حيث اتخذوا من لا يملك شيئاً أصلاً شفعاء لهم عند الله قال ابن كثير: هذا ذمٌ للمشركين في اتخاذهم شفعاء من دون الله وهي الأصنام والأوثان التي اتخذوها من تلقاء أنفسهم، بلا دليل ولا برهان، وهي لا تملك شيئاً من الأمر، وليس لها عقل تعقل به، ولا سمعٌ تسمع به، ولا بصرٌ تبصر به، بل هي جمادات أسوأ حالاً بكثير من الحيوانات ﴿قُلْ أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ﴾ الاستفهام