بالطاعة والخضوع والعمل الصالح ﴿مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب﴾ من قبل حلول نقمته تعالى بكم ﴿ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ أي ثم لا تجدون من يمنعكم من عذابه ﴿واتبعوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي اتبعوا القرآن العظيم، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والزموا أحسن كتاب أنزل إليكم فيه سعادتكم وفلاحكم ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ أي من قبل أن ينزل بكم العذاب فجأة وأنتم غافلون، لا تدرون بمجيئه لتتداركوا وتتأهبوا ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ﴾ أي لئلا تقول بعض النفوس التي أسرفت في العصيان ﴿ياحسرتا على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله﴾ أي يا حسرتي وندامتي على تفريطي وتقصيري في طاعة الله وفي حقه قال مجاهد: يا حسرتا على ماضيعت من أمر الله ﴿وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين﴾ أي وإِنَّ الحال والشأن أنني كنت من المستهزئين بشريعة الله ودينه قال قتادة: لم يكفه أن ضيَّع طاعة الله حتى سخر من أهلها ﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ المتقين﴾ «أو» للتنويع أي يقول الكافر والفاجر هذا أو هذا والمعنى لو أن الله هداني لاهتديت إلى الحق، وأطعت الله، وكنت من عباده الصالحين قال ابن كثير: يتحسر المجرم ويودُّ لو كان من المحسنين المخلصين، المطيعين لله عزَّ وجل ﴿أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المحسنين﴾ أي أو تقول تلك النفس الفاجرة حين مشاهدتها العذاب لو أنَّ لي رجعةً إلى الدنيا لأعمل بطاعة الله، وأُحسن سيرتي وعملي ﴿بلى قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي﴾ هو جواب قوله ﴿لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي﴾ والمعنى بلى قد جاءك الهدى من الله بإرساله الرسل، وإنزاله الكتب ﴿فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت وَكُنتَ مِنَ الكافرين﴾ أي فكذبت بالآيات، وتكبرت عن الإِيمان، وكنت من الجاحدين قال الصاوي: إن الكافر أولاً يتسحر، ثم يحتج بحجج واهية، ثم يتمنى الرجوع إلى الدنيا، ولو رُدَّ لعاد إلى ضلاله كما قال تعالى
﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] ﴿وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ﴾ أي ويوم القيامة ترى أيها المخاطب الذين كذبوا على الله بنسبة الشريك له والولد وجوههم سوداء مظلمة بكذبهم وافترائهم ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ استفهام تقريري أي أليس في جهنم مقام ومأوى للمستكبرين عن الإِيمان، وعن طاعة الرحمن؟ بلى إنَّ لهم منزلاً ومأوى في دار الجحيم.. ولما ذكر حال الكاذبين على الله، ذكر حال المتقين لله فقال ﴿وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ أي وينجي الله المتقين بسبب سعادتهم وفوزهم بمطلوبهم وهو الجنة دار الأبرار ﴿لاَ يَمَسُّهُمُ السواء وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي لا ينالهم هلعٌ ولا جزع، ولا هم يحزنون في الآخرة، بل هم آمنون ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٥٥] ثم عاد إلى دلائل الألوهية والتوحيد، بعد أن أفاض في الوعند والوعيد فقال ﴿الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي الله جل وعلا خالق جميع الأشياء وموجد المخلوقات، والمتصرف فيها كيف يشاء، لا إله غيره ولا ربَّ سواه ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ أي هو القائم بتدبير كل شيء {لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات