المفسرون: لما قال لهم ذلك ونصحهم وأعلن إيمانه، وثبوا عليه وثبة رجلٍ واحد فقتلوه، ولم يكن له أحد يمنع عنه أذاهم قال الطبري: وثبوا عليه فوطئوه بأقدامهم حتى مات، وقيل: رموه بالحجارة حتى مات ﴿قِيلَ ادخل الجنة﴾ أي فلما مات قال الله له: ادخل الجنة مع الشهداء الأبرار، جزاءً على صدق إيمانك وفوزك بالشهادة قال ابن مسعود: إنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرجت أمعاؤه من دبره، وقال الله له ﴿ادخل الجنة﴾ فدخلها فهو يُرزق فيها، قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحُزنها ونَصَبها ﴿قَالَ ياليت قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المكرمين﴾ أي فلما دخل الجنة وعاين ما أكرمه الله بها لإيمانه وصبره تمنى أن يعلم قومه بحاله، ليعلموا حسن مآله أي يا ليتهم يعملون بالسبب الذي من أجله غفر لي ربي ذنوبي، وأكرمني بدخول جنات النعيم قال ابن عباس: نصح قومه في حياته، ونصحهم بعد مماته قال أبو السعود: وإنما تمنَّى علم قومه بحاله ليحملهم ذلك عى اكتساب الثواب والأجر، بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان، جرياً على سنن الأولياء في الترحم على الأعداء ﴿وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السمآء﴾ هذا تحقيرٌ لهم وتصغيرٌ لشأنهم ﴿إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ أي ما كانت عقوبتهم إِلا صحيةً واحدة صاح بها جبريل، فإذا هم ميتون لا حراك بهم، قد أخمدت أنفاسهم حتَّى صاروا كالنار الخامدة قال المفسرون: وفي الآية استحقار لإِهلاكهم فإِنهم أذل وأهون على الله من أن يرسل الملائكة لإِهلاكهم، وقد روي أنه لما قُتل «حبيب النجار» غضب الله تعالى له، فعجَّل لهم النقمة فأمر جبريل فصاح بهم صحية واحدة، فماتوا عن آخرهم، فجعل طريق استئصالهم بالصيحة، ثم قال تعالى ﴿ياحسرة عَلَى العباد مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي يا أسفاً على هؤلاء المكذبين لرسل الله المنكرين لآياته ويا حسرةً عليهم، ما جاءهم رسولٌ إلا كذبوه واستهزءوا به، وهكذا عادة المجرمين في كل زمان ومكان قال في حاشية البيضاوي: إنهم أحقاء بأن يتحسروا على أنفسهم أو يُتحسر عليهم، فإن الأمر لفخامته وشدته، بلغ إلى حيث إن كل من يتأتى منه التلهف إذا نظر إلى حال استهزائهم بالرسل تحسَّر عليهم، وقال: يا لها من حسرةٍ وخيبة على هؤلاء المحرومين، حيث بدَّلوا الإِيمان بالكفر، والسعادة بالشقاوة، وفي الآية تعريضٌ بكفار قريش حيث كذبوا سيد المرسلين.
ولمّا مثل حال كفار مكة بحال أصحاب القرية وبَّخ المشركين على عدم اعتبارهم بمن سبقهم فقال ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ أي ألم يتعظ هؤلاء المشركين بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل، ويعلموا أن هؤلاء المهلكين لا عودة لهم إلى الدنيا بعد هلاكهم؟ ﴿وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ أي وأن جميع الأمم