يؤدي إليها، وكررها للتفخيم والبيان ﴿فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى﴾ أي فأنظر إلى إله موسى نظر عيان ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً﴾ أي وإِني لأعتقد موسى كاذباً في ادعائه أن له إلهاً غيري قال أبو حيان: وبلوغُ أسباب السموات غير ممكن، لكنَّ فرعون أبرزه في صورة الممكن تمويهاً على سامعيه، ولما قال ﴿فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى﴾ كان ذلك إقراراً بالإِله فلذلك استدرك هذا الإِقرار بقوله ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً﴾ ﴿وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سواء عَمَلِهِ﴾ أي ومثل ذلك التزيين زُيّن لفرعون عمله السيء حتى رآه حسناً ﴿وَصُدَّ عَنِ السبيل﴾ أي ومُنع بضلاله عن طريق الهدى ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ﴾ أي وما تدبير فرعون ومكره إلا في خسار وهلاك، خسر ملكه في الدنيا بالغرق، وفي الآخرة بالخلود في النار ﴿وَقَالَ الذي آمَنَ ياقوم اتبعون أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد﴾ كرَّر مؤمن آل فرعون نصحه لهم بعد تلك المراوغة التي لقيها من فرعون، ودعا قومه إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، وكشف لهم عن قيمة الحياة الزائلة، وشوَّقهم إلى نعيم الحياة الباقية، وحذَّرهم من عذاب الله ومعنى الآية: امتثلوا يا قوم أمري واسلكوا طريقي أرشدكم إلى طريق الفوز والنجاة طريق الجنة ﴿ياقوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا مَتَاعٌ﴾ أي ليست الدنيا إلا متاعاً زائلاً، لاثبات له ولا دوام ﴿وَإِنَّ الآخرة هِيَ دَارُ القرار﴾ أي وإن الدار الآخرة هي دار الاستقرار والخلود، التي لا زوال لها ولا انتقال منها، فإِما خلود في النعيم، أو خلود في الجحيم قال القرطبي: ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ أي من عمل في هذه الدنيا سيئةً فلا يعاقب في الآخرة إلا بمقدارها دون زيادة، رحمة منه تعالى بالعباد ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أي ومن فعل في الدنيا العمل الصالح سواءً كان ذكراً أو أنثى بشرط الإِيمان ﴿فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي فأولئك المحسنون يدخلون جنات النعيم، ويعطون جزاءهم بغير تقدير، بل أضعافاً مضاعفة فضلاً من الله وكرماً، فقد اقتضى فضله تعالى أن تضاعف الحسناتُ دون السيئات قال ابن كثير: ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي لا يتقدر بجزاء، بل يثيبه الله ثواباً كثيراً عظيماً، لا انقضاء له ولا نفاد ﴿وياقوم مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة وتدعونني إِلَى النار﴾ ؟ أي ما لي أدعوكم إلى الإِيمان الموصل إلى الجنان، وتدعونني إلى الكفر الموصل إلى النار؟ والاستفهما للتعجب كأنه يقول: أنا أتعجب من حالكم هذه، أدعوكم إلى النجاة والخير، وتدعونني إلى النار والشر؟ ثم وضَّح ذلك بقوله ﴿تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بالله وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾ أي تدعونني للكفر بالله، وأن أعبد ما ليس لي علمٌ بربويته، وما ليس بإِلهٍ كفرعون ﴿وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى العزيز الغفار﴾ أي وأنا أدعوكم إلى عبادة الله الواحد الأحد، العزيز الذي لا يُغلب، العفَّار لذنوب العباد ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ﴾ أي حقاً إنما تدعونني لعبادته ﴿لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدنيا وَلاَ فِي الآخرة﴾ أي لا يصلح أن يُعبد لأنه لا يسْتجيب لنداء داعيه، ولا يقدر على تفريج كربته لا في الدنيا ولا في الآخرة ﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى الله﴾ أي وأن مرجعنا إلى الله وحده فيجازي كلاً بعمله ﴿وَأَنَّ المسرفين هُمْ أَصْحَابُ النار﴾ أي وأن المسرفين في الضلال والطغيان