معطوفةٌ على «رأْفَةً ورحمةً». و «جَعَلَ» إمَّا بمعنى خَلق أو بمعنى صيَّر، و «ابْتدعوها» على هذا صفةٌ ل «رَهْبانية» وإنما خُصَّتْ بذِكر الابتداعِ لأنَّ الرأَفةَ والرحمةَ في القلب أمرُ غريزةٍ لا تَكَسُّبَ للإِنسانِ فيها بخلافِ الرهبانية فإنها أفعالُ البدن، وللإِنسانِ فيها تكسُّبٌ. إلاَّ أنَّ أبا البقاء منعَ هذا الوجهَ بأنَّ ما جعله اللَّهُ لا يَبْتدعونه. وجوابُه ما تَقَدَّم: مِنْ أنَّه لَمَّا كانت مكتسبةً صَحَّ ذلك فيها. وقال أيضاً: «وقيل: هو معطوفٌ عليها، وابتدعوها نعتٌ له. والمعنى: فَرَضَ عليهم لزومَ رهبانيةٍ ابتدعوها، ولهذا قال: ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله﴾.
والوجه الثاني: أنه منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّره الظاهرُ وتكون المسألةُ من الاشتغالِ. وإليه نحا الفارسيُّ والزمخشريُّ وأبو البقاء وجماعةٌ إلاَّ أنَّ هذا يقولون إنه إعرابُ المعتزلة؛ وذلك أنَّهم يقولون: ما كانَ مِنْ فِعْلِ الإِنسانِ فهو مخلوقٌ له، فالرحمةُ والرأفة لَمَّا كانتْ من فِعْلِ اللَّهِ تعالى نَسَبَ خَلْقَهما إليه. والرَّهْبانِيَّة لَمَّا لم تكنْ من فِعْلِ اللَّهِ تعالى بل مِنْ فعل العبدِ يَسْتَقِلُّ بفعلِها نَسَب ابتداعَها إليه، وللردِّ عليهم موضعٌ آخرُ هو أليقُ به من هذا الموضعِ، وسأبِّينُه إنْ شاء الله في»
الأحكام «.
ورَدَّ الشيخُ عليهم هذا الإِعرابَ من حيث الصناعةُ وذلك أنَّه مِنْ حَقِّ اسمِ المُشْتَغَلِ عنه أن يَصْلُح للرفع بالابتداءِ و»
رهبانيةً «نكرةٌ لا مُسَوِّغ للابتداء بها، فلا يصلُحُ نصبُها على الاشتغال. وفيه نظرٌ؛ لأنَّا لا نُسَلِّمُ


الصفحة التالية
Icon