وبقي الثاني منصوباً، وقد تَقَدَّم أنه عند السهيلي مفعولٌ أوَّلُ، و «كتابَ الله» مفعولُ نَبَذَ، و «وراءَ» منصوبٌ على الظرفِ وناصبُه «نَبَذَ»، وهذا مَثَلٌ لإِهمالِهم التوراةَ، تقولُ العرب: «جَعَلَ هذا الأمرَ وراءَ ظهره ودَبْرَ أذنِه» أي: أهمله، قال الفرزدق:
٦٣٦ - تَميمُ بنُ مُرٍّ لا تكونَنَّ حاجتي | بِظَهْرٍ فلا يَعْيَا عليَّ جوابُها |
والنَّبْذُ: الطَّرْحُ - كما تقدَّم -. وقال بعضُهم:
«النَّبْذ والطَّرْح والإلقاء متقاربة، إلا أن النبذَ أكثرُ ما يقال في المبسوط والجاري مَجْراه، والإِلقاء فيما يُعْتبر فيه ملاقاةٌ بين شيئين» ومن مجيء النَّبْذ بمعنى الطرح قوله:
٦٣٧ - إنَّ الذين أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعْدِلُوا | نَبَذُوا كتابَك واسْتَحَلُّوا المَحْرَما |
وقال أبو الأسود:٦٣٨ - وخَبَّروني مَنْ كنتُ أرسلْتُ أنَّما | أَخَذْتَ كتابي مُعْرِضاً بشِمالكا |
نظْرتَ إلى عنوانِه فنبذْتَه | كنَبْذِكَ نَعْلاً أَخْلَقَتْ مِنْ نِعالِكا |
قوله:
﴿كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ جملةٌ في محلِّ نَصْبٍ على الحال، وصاحبُها، فريقٌ، وإنْ كان نكرةً لتخصيص بالوصفِ، والعاملُ فيها: نَبَذَ، والتقدير: مُشْبهين للجُهَّال. ومتعلَّقُ العلمِ محذوفٌ تقديرُه: أنه كتابُ الله لا يُداخِلُهم فيه شكٌّ، والمعنى: أنهم كفروا عِناداً.
قوله تعالى:
﴿واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين﴾ : هذه الجملةُ معطوفةٌ على مجموعِ الجملةِ السابقةِ من قولِه:
«ولمَّا جاءَهم» إلى آخرها.