لا أحدَ أفقهُ من زيدٍ وبكرٍ وخالدٍ» لا يَدُلُّ على أن أحدَهم أفقهُ من الآخر، بل نَفَيْتَ أن يكونَ أحدٌ أفقهَ منهم، لا يُقال: إنَّ مَنْ مَنَع مساجدَ اللهِ وسَعَى في خرابِها ولم يَفْتَرِ على الله كذباً أقلُّ ظلماً مِمَّنْ جَمَعَ بين هذه الأشياء فلا يكونون متساوين في الأظلميةِ؛ لأنَّ هذه الآياتِ كلَّها في الكفار وهم متساوُون في الأظلميَّة وإن كان طُرُقُ الأظلميةِ مختلفةً.
و «مَنْ» يجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً فلا محلَّ للجملةِ بعدَها، وأَنْ تكونَ موصوفةً فتكونَ الجملةُ في محلِّ جرٍّ صفةً لها، و «مساجد» مفعولٌ أولُ لمَنَع، وهي جمعُ مَسْجِد وهو اسمُ مكانِ السجودِ، وكان من حَقِّه أن يأتي على مَفْعَل بالفتح لانضمامِ عينِ مضارِعه ولكن شَذَّ كَسْرُه كما شَذَّت ألفاظُ يأتي ذكرُها، وقد سُمع «مَسْجَد» بالفتح على الأصل، وقد تُبْدَلُ جيمُه ياءً ومنه: المَسْيِد في لغة.
قوله: ﴿أَن يُذْكَرَ﴾ ناصبٌ ومنصوبٌ، وفيه أربعةٌ أوجهٍ أحدُها: أنه مفعولٌ ثانٍ لمَنَع، تقولُ: مَنَعْتُه كذا. والثاني: أنه مفعولٌ من أجلِه أي: كراهةَ أن يُذْكَرَ. وقال الشيخ: «فَتَعَيَّن حَذْفُ مضافٍ أي دخولَ مساجدِ الله، وما أَشْبهه». والثالثُ: أنه بدلُ اشتمالٍ من «مساجد»، أي: مَنَعَ ذِكْرَ اسمِه فيها. والرابع: أنه على إسقاطِ حرفِ الجرِّ، والأصلُ: مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وحينئذٍ يجيءُ فيها المذهبان المشهوران من كونها في محلِّ نصبٍ أو جرٍّ، و «في خَرابِها» متعلِّقٌ بسَعَى. واختُلِف في «خراب» : فقال أبو البقاء: «هو اسمُ مصدرٍ بمعنى التخريب كالسَّلامِ بمعنى التسليم، وأُضيف اسمُ المصدرِ لمفعوله لأنه يَعْمَلُ عَمَلَ الفعلِ. وهذا على أحدِ القَوْلينِ في اسمِ المصدرِ


الصفحة التالية
Icon