وفيها لغات ثلاث: الفكُّ وتركهما على حالهما، والإِدغام، والحذف، وقد قرء بهذه اللغات كلها في قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ﴾ [الزمر: ٦٤]، وهنا لم تقرأ إلا بالحذف أو الإِدغام، وفي سورة الحجر: ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ [الحجر: ٥٤]، كذلك، فقراءة ابن كثير بالإِدغام ونافع بالحذف، والباقون يفتحون النون لأنها عندهم نون رفع، وفي سورة النحل: ﴿تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧]، يُقرأ بفتح النون عند الجمهور لأنها نونُ رفع، ويقرؤه نافع بنونٍ خفيفة مكسورةٍ على الحذف، فنافعٌ حَذَفَ إحدى النونين في جميع هذه المواضع التي ذكرتها لك، فإنه/ يقرأ في الزمر أيضاً بحذف إحداهما، وقوله تعالى: ﴿أتعدانني﴾ [الأحقاف: ١٧]، قرأه هشام بالإِدغام، والباقون بالإِظهار دون الحذف.
واختلف النحاةُ في أيَّتهما المحذوفة: فمذهب سيبويه ومَنْ تبعه أن المحذوفةَ هي الأُولى، ومذهب الأخفش ومَنْ تبعه أن المحذوفة هي الثانية، استدلَّ سيبويه على ذلك بأنَّ نونَ الرفع قد عُهِد حَذْفُها دون ملاقاة مِثْلٍ رفعاً، وأُنْشِد:

١٩٦٨ - فإنْ يكُ قومٌ سَرَّهمْ ما صنعتُمُ سَتَحْتَلبوها لاقِحاً غير باهِلِ
أي: فستحتلبونها، لا يقال إن النون حُذِفَتْ جزماً في جواب الشرط؛ لأنَّ الفاء هنا واجبة الدخول لعدم صلاحية الجملة الجزائية شرطاً، وإذا تقرَّر وجوبُ الفاء، وإنما حُذِفت ضرورةً ثبت أن نون الرفع كان مِنْ حقها الثبوت


الصفحة التالية
Icon