آتاكم من جميعِ ذلك غيرَ سائِلية». قلت: ويكون المفعولُ الثاني هو الجارِّ مِنْ قوله «مِنْ كُلٍ»، كقوله: ﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣].
والثاني: أنها موصولةٌ بمعنى الذي، هي المفعول الثاني لآتاكم. وهذا التخريجُ الثاني أَوْلَى، لأنَّ في الأول منافاةً في الظاهر لقراءةِ العامَّة. قال الشيخ: «ولما أحسَّ الزمخشريُّ بظهورِ التنافي بين هذه القراءةِ وبين تلك قال:» ويجوز أن تكونَ «ما» موصولةً على: وآتاكم مِنْ كُلِّ ذلك ما احتجتم إليه، ولم تصلُحْ أحوالُكُم ولا معائِشُكم إلا به، فكأنكم طلبتموه أو سألتموه بلسانِ الحال، فتأوَّل «سَأَلْتموه» بمعنى ما احتجتم إليه «.
قول:» نعمةَ «في معنى المُنْعِمِ به، وخُتِمَتْ هذه ب ﴿إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ﴾، ونظيرتُها في النحل ب ﴿إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨]، لأنَّ في هذه تقدَّمَ قولُه ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً﴾ [إبراهيم: ٢٨]، وبعده ﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً﴾ [إبراهيم: ٣٠]، فجاء قولُه ﴿إِنَّ الإنسان﴾ شاهداً بقُبْحِ مَنْ فَعَلَ ذلك، فناسَبَ خَتْمَها بذلك، والتي في النحل ذكر فيها عدةَ تفصيلاتٍ وبالَغَ فيها، وذكر قولَه ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ [النحل: ١٧]، أي: مَنْ أوجَدَ هذه النِّعَمَ السابقَ ذكرُها كَمَنْ لم يَقْدِرْ منها على شيءٍ، فَذَكَرَ أيضاً أنَّ مِنْ جملة تَفَضُّلاتِه اتصافَه بهاتين الصفتين.