وقوله: «فنادَوْا» لا مفعولَ له؛ لأنَّ القصدَ: فَعَلوا النداءَ، مِنْ غيرِ قصدِ منادى. وقال الكلبيُّ: «كانوا إذا قاتلوا فاضْطُرُّوا نادى بعضُهم لبعضٍ: مناص أي: عليكم بالفرارِ، فلَمَّا أتاهم العذابُ قالوا: مناص». فقال اللَّهُ تعالى لهم: ولات حينَ مناصٍ «. قال القشيريُّ:» فعلى هذا يكونُ التقديرُ: فنادَوْا مناص، فحُذِف لدلالةِ ما بعده عليه «. قلت: فيكون قد حَذَفَ المنادى وهو بعضاً وما ينادُوْن به، وهو مناص، أي: نادَوْا بعضَهم بهذا اللفظِ. وقال الجرجانيُّ:» أي: فنادَوْا حين لا مناص أي: ساعةَ لا مَنْجَى ولا فَوْتَ، فلمَّا قَدَّم «لا» وأَخَّر «حين» اقتضى ذلك الواوَ كما تقتضي الحالُ إذا جُعِل ابتداءً وخبراً مثلَ ما تقول: «جاء زيدٌ راكباً» ثم تقول: جاء وهو راكبٌ. ف «حين» ظرفٌ لقولِه «فنادَوْا». قال الشيخ: «وكونُ أصلِ هذه الجملةِ فنادَوْا: حين لا مناص، وأنَّ» حين «ظرفٌ لقولِه:» فنادَوْا «دعوى أعجميةٌ في نَظْمِ القرآن، والمعنى على نظمِه في غايةِ الوضوح». قلت: الجرجانيُّ لا يَعْني أنَّ حين ظرفٌ ل «نادَوْا» في التركيبِ الذي عليه القرآن الآن، إنما يعني بذلك في أصلِ المعنى والتركيب، كما شَبَّه ذلك بقولِك «جاء زيدٌ راكباً» ثم ب «جاء زيدٌ وهو راكبٌ» ف «راكباً» في التركيبِ الأولِ حالٌ، وفي الثاني خبرُ مبتدأ، كذلك «حين» كان في الأصل ظرفاً للنداء، ثم صار خبرَ «لات» أو اسمَها على حسبِ الخلافِ المتقدِّم.
والمناصُ: مَفْعَل مِنْ ناص يَنُوص أي: هَرَبَ فهو مصدرٌ يقال: نَاصه يَنُوصه إذا فاته فهذا متعدٍّ، وناصَ يَنُوص أي: تأخَّر. ومنه ناص عن قِرْنِه أي: