قوله: ﴿وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ﴾ : العامَّةُ على رفعِهما، وهي جملةٌ مِنْ مبتدأ وخبرٍ. وفي محلِّها وجهان، أحدهما: النصبُ على الحالِ من الموصولاتِ؛ لأنَّ الرؤيةَ بَصَرِيَّةٌ، وكذا أَعْرَبَها الزمخشريُّ. ومِنْ مذهبِه أنه لا يجوزُ إسقاطُ الواوِ مِنْ مثلِها إلاَّ شاذَّاً، تابعاً في ذلك الفراءَ فهذا رجوعٌ منه عن ذلك. والثاني: أنها في محلِّ نصبٍ مفعولاً ثانياً؛ لأنَّ الرؤيةَ قلبيةٌ. وهو بعيدٌ لأن تَعَلُّقَ الرؤيةِ البصريةِ بالأجسام وألوانِها أظهرُ مِنْ تعلُّقِ القلبيةِ بهما. وقُرِئ «وجوهَهم مُسْودَّة» بنصبِهما، على أنَّ «وجوهَهم» بدلُ بعضٍ مِنْ كل، و «مُسْوَدَّةً» على ما تقدَّم من النصبِ على الحال أو على المفعولِ الثاني. وقال أبو البقاء: «ولو قُرِئ» وجوهَهم «بالنصب لكانَ على بدلِ الاشتمالِ». قلت: قد قُرِئ به والحمدُ لله، ولكنْ ليس كما قال على بدلِ الاشتمال، بل على بدلِ البعضِ، وكأنه سَبْقُ لسانٍ أو طغيانُ قَلَم. وقرأ أُبَيٌّ «أُجوهُهم» بقلبِ الواوِ همزةً، وهو فصيحٌ نحو: ﴿أُقِّتَتْ﴾ [المرسلات: ١١] وبابِه.
قوله: ﴿بِمَفَازَتِهِمْ﴾ : قرأ الأخَوان وأبو بكرٍ «بمفازاتِهم» جمعاً لَمَّا اختلفَتْ أنواعُ المصدرِ جُمِعَ. والباقون بالإِفرادِ على الأصلِ. وقيل: ثَمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي: بدواعي مَفازتِهم أو بأسبابِها. والمَفازَةُ: المَنْجاة. وقيل: لا حاجةَ لذلك؛ إذ المرادُ بالمَفازةِ الفلاحُ.


الصفحة التالية
Icon