يتعلَّقُ به ﴿مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ إذ تقديرُه: أو يُكَلِّمه مِنْ وراءِ حجابٍ. وهذا الفعلُ المقدَّر معطوفٌ على «وَحْياً» والمعنى: إلاَّ بوَحْي أو إسماعٍ مِنْ وراءِ حجاب أو إرسالِ رسولٍ. ولا يجوزُ أَنْ يُعَطفَ على «يكلِّمَه» لفسادِ المعنى. قلت: إذ يَصيرُ التقديرُ: وما كان لبشَرٍ أن يُرْسِلَ اللَّهُ رسولاً، فَيَفْسُدُ لَفْظاً ومعنى. وقال مكي: «لأنَّه يَلْزَم منه نَفْيُ الرسلِ ونفيُ المُرْسَلِ إليهم».
الثاني: أَنْ يُنْصَبَ ب «أنْ» مضمرةً، وتكونَ هي وما نَصَبَتْه معطوفَيْن على «وَحْياً» و «وَحْياً» حالٌ، فيكونَ هنا أيضاً [حالاً: والتقدير: إلاَّ مُوْحِياً أو مُرْسِلاً]. وقال الزمخشري: «وَحْياً وأَنْ يُرْسِلَ مصدران واقعان موقعَ الحال؛ لأنَّ أَنْ يُرْسِلَ في معنى إرسالاً. و ﴿مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ ظرفٌ واقعٌ موقعَ الحالِ أيضاً، كقوله: ﴿وعلى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١]. والتقدير: وما صَحَّ أَنْ يُكَلَّم أحداً إلاَّ مُوْحياً أو مُسْمِعاً مِنْ وراءِ حجاب أو مُرسِلاً». وقد رَدَّ عليه الشيخُ: بأنَّ وقوعَ المصدرِ موقعَ الحالِ غيرُ منقاسٍ، وإنما قاسَ منه المبردُ ما كان نوعاً للفعلِ فيجوزُ: «أتيتُه رَكْضاً» ويمنعُ «أَتَيْتُه بكاءً» أي: باكياً.
وبأنَّ «أَنْ يُرْسِلَ» لا يقعُ حالاً لنصِّ سيبويه على أنَّ «أَنْ» والفعلَ لا يَقَعُ حالاً، وإن كان المصدرُ الصريحُ يقع حالاً تقولُ: «جاء زيد ضَحِكاً»، ولا يجوز «جاء أَنْ يضحكَ».


الصفحة التالية
Icon