قوله إخبارا عمن آمن من سحرة فرعون: (وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (١٢٦)
حجة على المعتزلة والقدرية، إذ كل ما أخبر الله تعالى عنهم في هذه الآية لا محالة مدح لهم، أفيجوز عندهم على الله جل جلاله أن يثني على قوم بدعاء محال، والإسلام بأيديهم يثبتون عليه ما شاءوا ويتركونه إذا شاءوا لا يخافون أن ينتزع منهم كرها.
أليس سؤالهم تركه لهم حتى يتوفاهم عليه وهم مالكوه - قد أمنهم
الله من الانتزاع منهم بما أظهر لهم من عدله - سؤال محال، ولكنهم سألوا سؤال حق ورهبوا مكر الله الذي لا يأمنه إلا القوم الخاسرون، واقتدوا في ذلك بنبي الله يوسف ﷺ في إخبار الله جل وتعالى عنه: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)
فإن قالوا: لم يرهبوا الله أن ينتزعه منهم، ولكنهم خشوا أن يفتنهم الشيطان. قيل لهم: فمن مالك الشيطان، فإن قالوا: الله جل وعلا. قيل: أفيجوز عليه عندكم وهو عدل أن لا يحول بينه وبين من يريد تفتينه وانتزاع الإسلام منه، سيما وقد أمره أن يثبت عليه، وأوعد على تركه ما أوعد.