العاصون وتنسب إليهم، وتكون محكوم عليهم بها جارون على محتوم
القضاء عليهم فيها، فلا يبقى عليهم عند ذلك إلا الإقرار بعزوب
علمهم عن عدل عادل، لا يضرهم جهله. ولو كان جل وتعالى
لا يكون عادلا إلا فيما تعقله الخليقة من عدله دون أن يكون له عدل
لا يعقله، كانت فيه صفة تحيط الخلق نكتها، ولجاز لمن يزاحمه في
معرفة عدله - ولا يعده منكرا من نفسه - أن يزاحمه في معرفة قدرته.
فيقول: لا أقبل من قدرته إلا ما يتسع لها عقلي، وإلا صرفته في باب
المحال، كما أصرف ما لا أعقله من عدله في باب الجور فلا أنسبه إليه.
فيلزمه أن يقول: لما كان محالا في عقلي أن يكون عادل يجمع على نفس
واحدة حكما لشيء وقضى عليه به ثم يطالبه بتركه، ويعاقبه على فعله.
فلم أنسب هذا إليه، ولم أبالِ بمخالفة آي القرآن فيه، وشهادة الرسول
وجماعة الأمة غيره عليه، فهو فيه أيضاً محال أن يكون للنار موضعا
يكون فيه والجنة عرضها كعرض السماء والأرض قد أخذت جميع
الموضع.
ومحال أن يكون مدبر واحد يدبر جميع الأشياء لا يشغله شيء عن
شيء، وما أشبه هذا من القدرة التي هي من صفة الرب تبارك
وتعالى، ولا يتسع لها عقول الخلق، وإلا فما الفرق، هذا مع ما بينا
عليهم من نظائر نفس ما ينكرونه من العدل مفرقا في فصول كتابنا
هذا، والمجرد في الرد عليهم.


الصفحة التالية
Icon