اللجاج، وتبصّروا الأشياء برويَّة وعقل لأبصروا - بعون الله -
طريق الرشد، وعلموا أن إضافة الأفعال إلى فاعليها ليست بمانعة
من أن يكون مقضيًّا بها عليهم، ولا القضاء بمؤثر في عدل الله على
بريته، وأنه غير مستحيل أن يعلم من علم عدله ما يجهله خلقه، وأن
التصور في عقولهم من لوح الجور - في جمع القضاء والعقاب على
نفس واحدة - كلوح استحالة كينونة الرب فيها بلا أول - ولا بدو.
فهل يجيزون لأنفسهم أن يأخذوا ذلك من شبه خلقه، كما يأخذون
معرفة عدله من عدل خلقه، فيزعموا: أنه لمَّا كان محالاً -
في عقولهم - أن يكون مالك من الآدميين إذا أجبر عبده على فعل
شيء، ثم عاقبه عليه، كان ظالمًا له، لم يجز أن ينسب إلى الله أنه
يضطر أحدًا من عبيده إلى فعل بعينه - في القضاء السابق عليه - ثم
يعاقبه على فعله، وأنه إن فعل كان جائرًا. كان - أيضاً - محالاً أن
يكون حي موجودًا في الأزل بلا أول، إذ ليس ذلك بممكن في
الخلق، بل هو محال أن يكون خَلْق قبل يُكَوَّن، ويخُلَّق.
فلا يجيزون على الله - جل الله - إلا ما يقبله عقولهم، ويسهل
عندها كونه، ولا تنبو عنه.
وما الفرق بين من يأخذ شبه عدل الخالق، من شبه عدل المخلوق،


الصفحة التالية
Icon