ونحن إذ نثبت الفرق بين هذه الترجمات، لا ندَّعي صحة إحداها وخطأ الأخرى فيما نحن بصدده، إذ إن كل واحد من المترجمين قد اختار وجهاً مما أجازه المفسرون، ولكن ما نريد تأكيده هنا هو أن الآية - التي جاءت بلسان عربي مبين - احتملت في القراءة الواحدة الخبر والاستفهام، وذلك بحسب أدائها، فمَنْ أدَّاها بطريقة الإخبار كانت خبراً، ومن أدَّاها بطريقة الاستخبار كانت استفهاماً، فأين مثل هذه المرونة وهذه الكثافة الدلالية في الآية الواحدة فيما قدَّمه لنا المترجمون، إذ هي خبر عند الشيخ بوبكر ومَنْ نحا نحوه ولا تحتمل وجهاً آخر، واستفهام عند الأستاذ مازيغ ولا تحتمل الوجه الآخر أيضاً. وليس معنى هذا الكلام أن بين الوجهين تناقضاً؛ لأن القراءتين عند النظر تعودان إلى معنى واحد، وهو بيان ما سبق من الفاحشة، يقول الأستاذ الطاهر بن عاشور: «قرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم وأبو جعفر: ژ ؟ ژ - بهمزة واحدة مكسورة - بصيغة الخبر، فالبيان راجع إلى الشيء المنكر بهمزة الإنكار في ژ؟ ؟ ژ، وبه يعرف بيان الإنكار، ويجوز اعتباره خبراً مستعملاً في التوبيخ، ويجوز تقدير همزة استفهام حذفت للتخفيف ولدلالة ما قبلها عليها. وقرأه الباقون: ژ؟ژ - بهمزتين على صيغة الاستفهام - فالبيان للإنكار، وبه يعرف بيان المنكر، فالقراءتان مستويتان» (١). وقال الشوكاني: «فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة مبيِّنة لقوله: ژ ؟ ؟ژ، وكذلك على القراءة الثانية مع مزيد الاستفهام وتكريره المفيد للمبالغة في التقريع والتوبيخ» (٢). فإذا كانت القراءتان مستويتين، فكذلك الوجهان؛ لأن الوجه الأخير من القراءة الأولى ژ ؟ ژ هو ذاته وجه القراءة الثانية ژ ؟ژ، وهو الاستفهام، ولكنه في الأولى يظهر من خلال طريقة الأداء، وفي الثانية بأداة الاستفهام.
(٢) فتح القدير ٢/٢٢٢.