وذهب آخرون إلى أن هذا الكلام كان منه في مهلة النظر وحال الطفولية، وفي هذه الفترة لا يكون كفر ولا إيمان. ورُدَّ المذهبان بعدم جواز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحِّد وبه عارف؛ فكيف يصح أن يُتوهّم هذا على مَنْ عصمه الله وآتاه رشده من قبل(١) ؟ وقد استبعد الزجاج أن يكون الشكُّ دخل إبراهيم في أمر الله، وحمل الآية على معنى: تقولون هذا ربي، أي هذا يُدَبِّرني ؛ لأن قومه كانوا أصحاب نجوم، فاحتجَّ عليهم بأن الذي يزعمون أنه مدبِّر إنما يُرى فيه أثر مدبَّر لا غير(٢)، وهو الأفول. وقيل: أراد قيام الحجة على قومه كالحاكي لما هو عندهم وما يعتقدونه لأجل إلزامهم(٣)، وهذا منه عليه السلام على سبيل الفرض وإرخاء العنان، مجاراة مع أبيه وقومه الذين كانوا يعبدون الأصنام والكواكب، فإن المستدل على فساد قول يحكيه ثم يكرُّ عليه بالإبطال(٤). كما قيل هو على معنى الاستفهام والتوبيخ منكراً لفعلهم والمعنى: أهذا ربي، أي: ليس هذا ربي، أو مثل هذا يكون رباً؛ فحذف الهمزة، وهو كثير في كلام العرب(٥).

(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن ٧/٢٥.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٢/٢٦٧.
(٣) فتح القدير ٢/١٣٣.
(٤) روح المعاني ٧/١٩٨.
(٥) جامع البيان ٧/٢٥٠، والجامع لأحكام القرآن ٧/٢٦، وروح المعاني ٧/١٩٩.


الصفحة التالية
Icon