ومعنى ذلك كله أن مقالة إبراهيم عليه السلام قد حُملت على الإخبار مرة، وعلى حكاية قول قومه أخرى، وعلى الاستفهام الإنكاري مرة ثالثة، وقد قيل غير ذلك مما لا مجال لبَسْطه هنا. ومما لا شك فيه أن الأداء لإبراز أي معنى من هذه المعاني مختلف عن الأداء لإبراز غيره، فالخبر يُؤدَّى على هيئة الخبر، والاستفهام على هيئة الاستفهام؛ ليظهر المعنى المراد، ولذلك - كما ذكرنا في موضع آخر - يجب أن يُهتم بهذا الجانب الصوتي المهم في أداء القرآن، ولا سيما أنَّ القرآن انتقل إلينا - ولا يزال ينتقل - عن طريق المشافهة أكثر من أي طريق آخر، ولا بدّ والحالة هذه أن تكون أساليب الكلام فيه كالتعجب والاستفهام والإنكار، وغيرها واضحة في الأداء؛ لعدم وجود ما يدل عليها في كتابة المصحف من علامات ترقيم إذا غابت الحروف أو الأدوات الدالة عليها.
وإذا رجعنا إلى ترجمة معنى هذه الآية في الترجمات التي هي قيد الدراسة، فإننا لا نجد ما يوحي بمعنى الاستفهام الإنكاري على الإطلاق، وهو من المعاني التي تحتملها الآية الكريمة كما سبق بيانه، ولا وجه لاستبعاده، ولا شك أن المترجمين لم يستطيعوا أن يجدوا عبارة - في غير العربية - تحتمل كل المعاني المذكورة في تفسير الآية، فاكتفى كل واحد منهم بالمعنى الظاهر، فترجمها الشيخ بوبكر حمزة بـ :
Lorsque l’obscurité de la nuit l’enveloppa، il vit un astre et s’écria: “Voici mon Seigneur...”. (١)
وترجمها الأستاذ الصادق مازيغ بـ:
Comme la nuit tombait، il aperçut un astre brillant: “C’est là mon Seigneur!” fit-il. (٢)
وترجمها محمد حميد الله بـ:
Lors donc que la nuit l’enveloppa، il observa une étoile، et dit: “Voila mon Seigneur!” (٣)
كما ترجمها جاك بيرك بـ:

(١) Le Coran، Cheikh رضي الله عنoubakeur Hamza. P ١/١٦٥.
(٢) Le Coran، Sadok Mazigh. P ٢٥٩.
(٣) Le Saint-Coran، p ١٣٧.


الصفحة التالية
Icon