من خلال كل ما سبق نجد أن المعنى ينتقل من صورة إلى أخرى بحسب المعنى النحوي المراد من خلال طريقة الأداء التي يُؤدَّى بها الكلام، وذلك من غير تغيير في نظمه وترتيبه، الأمر الذي أشار إليه عبد القاهر الجرجاني(١)حينما تحدث عن شدة الحاجة إلى معرفة معاني النحو والدلالات الناجمة عن كل وجه من وجوهه التي يحتملها الكلام حتى وإن لم يتغير نظم ألفاظه فقال: «واعلم أن الفائدة تعظم في هذا الضرب من الكلام، إذا أنت أحسنت النظر فيما ذكرت لك من أنك تستطيع أن تنقل الكلام في معناه عن صورة إلى صورة من غير أن تغير من لفظه شيئاً، أو تحول كلمة عن مكانها إلى مكان آخر، وهو الذي وسَّع مجال التأويل والتفسير، حتى صاروا يتأولون في الكلام الواحد تأويلين أو أكثر، ويفسرون البيت الواحد عدة تفاسير، وهو على ذاك الطريق المزلة الذي ورَّط كثيراً من الناس في الهلكة، وهو مما يعلم به العاقل شدة الحاجة إلى هذا العلم، وينكشف معه عوار الجاهل به، ويفتضح عنده المُظهِر الغنى عنه؛ ذاك لأنه قد يدفع إلى الشيء لا يصح إلا بتقدير غير ما يريه الظاهر، ثم لا يكون له سبيل إلى معرفة ذلك التقدير إذا كان جاهلاً بهذا العلم، فيتسكع عند ذلك في العمى ويقع في الضلال» (٢). فالمعاني إذن قد يجوز فيها التغير من غير أن تتغير الألفاظ وتزول عن أماكنها؛ ولهذا كان لزاماً علينا عند قراءة القرآن - فضلاً عن ترجمة معانيه- مراعاة مثل هذه المظاهر الصوتية الدقيقة التي تغير المعنى من صورة إلى أخرى دون تغيير في مراتب الألفاظ.
(٢) دلائل الإعجاز ص ٢٨٢.