وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها، وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو نحو ذلك، وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه فتقول: كان والله رجلاً، فتزيد في قوة اللفظ بـ ( الله ) هذه الكلمة، وتتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها، أي: رجلاً فاضلاً أو شجاعاً أو كريماً أو نحو ذلك. وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنساناً، وتُمَكِّن الصوت بـ ( إنسان ) وتفخمه، فتستغني بذلك عن وصفه بقولك: إنساناً سمحاً أو جواداً أو نحو ذلك. وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنساناً، وتزوي وجهك وتقطبه، فيغني ذلك عن قولك: إنساناً لئيماً أو لحَِزاً (١) أو مبخلاً أو نحو ذلك»(٢).
هذا، وطريقة الأداء ظاهرة صوتية تتمتع بها جميع اللغات، فقد وجد أن معظم الأنماط من طرق الأداء في العربية هي في الإنجليزية أيضاً. ومن أمثلة ذلك أنك تستطيع أن تقرأ الجملة التالية بمعنيين مختلفين إذا استعملت نوعين من الأداء: لم أقرأ الكتاب ؛ لأنه كان صعباً، إذ في هذه الجملة تنغيمان نازلان في (الكتاب، وصعباً)، فنكون أمام وحدتين من المعلومات: الأولى، أنني لم أقرأ الكتاب. والثانية، أنه صعب، وهذه الجملة إخبارية بمعنى: لم أقرأ الكتاب لصعوبته. أما إذا قرأت الجملة بتنغيم واحد نازل صاعد، والتنغيم النازل الصاعد قد يعني التعجب، فهذه الجملة ليست إخبارية، بل تعجبية، وتعني أنني ما قرأت الكتاب، ولكن لا لأنه كان صعباً، بل لسبب آخر. والشيء نفسه يحصل في الإنجليزية:
١- I didn’t read the book because it was difficult.
٢- I didn’t read the book because it was difficult.

(١) اللَّحِز: الشحيح البخيل.
(٢) الخصائص ٢/٣٧٠ -٣٧١.


الصفحة التالية
Icon