وكان القراء في الصدر الأول (١) يقرءون على الشيخ الواحد العدة من الروايات، والكثير من القراءات، كل ختمة برواية لا يجمعون رواية إلى غيرها، حتى يقرءون كل روايات القرآن. واستمر الإفراد بتلاوة القرآن بالقراءات، حتى القرن الخامس الهجري، في عصر أبي عمرو الداني، مؤلف التيسير في القراءات السبع، ولم يكن يسمح أحد من الشيوخ بجمع القراءات في ختمة واحدة إلا لمن قرأ بالإفراد أولاً : روايةً روايةً حتى يتقن معرفة الروايات، وقرأ لكل راوٍ ختمة كاملة، ثم بعد ذلك ينتقل إلى جمع القراءات العشرة في ختمة كاملة.
ولما أراد أحد تلاميذ (٢) الشاطبي رحمه الله القراءة عليه لم يقرأ قراءة واحدة من السبع إلا في ثلاث ختمات، فكان إذا أراد قراءة ابن كثير مثلا :] فلابد أولاً : أن [ يقرأ برواية البزي لابن كثير ختمة كاملة، ثم يقرأ برواية الراوي الثاني لابن كثير، وهو قنبل بختمة كاملة أيضاً، ثم يجمع الروايتين في ختمة كاملة، وهي قراءة ابن كثير حتى يكمل القراءات السبع في تسعة عشر ختمة، ولم يبق عليه إلا رواية أبي الحارث، وجمعه مع الدوري في ختمة كاملة، وهي قراءة الكسائي.
وقال : إني لما أردت القراءة برواية أبي الحارث أمرني الشاطبي أن أقرأ بالجمع، فلما انتهيت إلى سورة (الأحقاف) توفى الشاطبي رحمه الله رحمة واسعة.
فقال ابن الجزري : وهذا هو الذي استقر عليه العمل إلى زمن شيوخنا الذين أدركناهم، ولا أعرف أحداً قرأ بالجمع، إلا بعد أن يفرد السبع في إحدى وعشرين ختمة، والعشر كذلك.
المبحث الثالث
ظهور جمع القراءات ومذاهب الجمع
المطلب الأول : أول ظهور جمع القراءات.
المطلب الثاني : مذاهب جمع القراءات.
المطلب الأول
أول ظهور جمع القراءات

(١) انظر النشر في القراءات العشر ٢/١٩٤ وما بعدها.
(٢) هو : الكمال الضرير صهر الشاطبي، انظر النشر في القراءات العشر، ٢/١٩٥.


الصفحة التالية
Icon