وأول ما ظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة، كان أثناء القرن الخامس الهجري، في زمن أبي عمرو الداني مؤلف التيسير في القراءات السبع، وأمثاله من الأئمة الذين تصدروا للإقراء، ورحل الناس إليهم، ولم يكن ثمة بد من منع الطلبة الوافدين من قراءات الأئمة، ليقرأوا بها في بلادهم، وكان مقتضى ذلك أن يجمع طالب العلم عدة قراءات في الختمة الواحدة، فيقرأ بعشر آيات على قراءة، ثم يستعرض ما يكون فيها من وجوه القراءات، ثم ينتقل إلى عشر آيات أخرى، ولا يزيدون هذا العدد، وبعد المائة الخامسة استقر عمل كثير من الشيوخ على طريقة إفراد القراءات بختمة على الأقل، ثم يتم الجمع بين القراءات ويعطى الطالب من الآيات القرآنية على قدر همته، واستعداده، دون تقييد بعشر آيات. والمعتاد أن تعطى الختمة إفراداً حزباً، حزباً :(جزء من ستين جزء من القرآن الكريم).
وفي حالة الجمع تتم الختمة بإعطاء كل نصف حزب، وبينما ذهب آخرون أبعد من ذلك، ولم يجعلوا له حداً (١).
المطلب الثاني
مذاهب جمع القراءات
فجمع القراءات هو : أن يقرأ الطالب القرآن الكريم على الشيخ بالقراءات المتواترة في ختمة واحدة (٢).
وللشيوخ في جمع القراءات في ختمة واحدة أربعة مذاهب (٣) :
المذهب الأول : الجمع بالحرف وهو : أن يشرع الطالب في القراءة فإذا مر بكلمة فيها خلاف بين القراء سواء كان أصولاً أو فرشاً أعاد تلك الكلمة بمفردها، حتى يستوفي ما فيها من الخلاف، فإن كان مما يوقف عليه وقف، واستأنف بما بعدها، حتى ينتهي إلى وقف فيقف عليه. وإن كان الخلاف في ما يتعلق بكلمتين، كمد (المنفصل) و(السكت على ذي كلمتين)، وقف على الكلمة الثانية، واستوعب الخلاف. ثم انتقل إلى ما بعدها على ذلك الحكم.
(٢) النشر في القراءات العشر لابن الجزري ٢/١٩٤.
(٣) المصدر نفسه ٢/١٩٤.