المطلب الثالث: المناقشة والترجيح.
بعد ما تقدم من الوقوف على آراء الفريقين وطرح أدلتهم، نشرع في المناقشة والترجيح ليتبين لنا وجه الحق في ذلك، ولدى التأمل في تلك الأدلة نرى أن الحق في هذه القضية إنما هو مع من ذهب إلى وجوب الأخذ بالتفسير بالمأثور، واعتباره الأساس الذي ينبغي أن يبنى عليه ما سواه من أوجه التفسير، وذلك:
لأن التفسير بالمأثور إن كان من النوع الأول وهو تفسير القرآن بالقرآن، فلا شك في قبوله، لأن الله تعالى أدرى بكلامه، وإن كان من النوع الثاني وهو التفسير بالسنة الصحيحة فكذلك، لأن النبي ﷺ هو المكلف ببيان كلام ربه، ولا بيان بعد بيانه عليه الصلاة والسلام، وأما إن كان من النوع الثالث، وهو التفسير بأقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: فالأمر لا يخلو إما أن يكون قد سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا معدود من النوع الثاني، وإما أن يكون من تفسيرهم الذي بنوه على ما منحهم الله تعالى من أدوات الاجتهاد، وهم أهل لذلك بلا ريب، فيتعين أخذه والقبول به، لاعتبارات متعددة منها (١) أنهم كانوا:
ـ شاهدي عيان لأحوال الوحي وقرائنه وأسبابه.
ـ أهل اللسان العربي، وأصحاب البلاغة والفصاحة والبيان.
ـ أعلم الناس بعادات العرب وأحوالها وأخبارها.
ـ الجيل المثالي الذي لم يشهد التاريخ مثيلا لهم في علمهم وإدراكهم وسعة نظرتهم لأمور الحياة والكون والإنسان.
ـ صفاء نفوسهم، وطهارة قلوبهم، وشدة إخلاصهم.
ـ كبير محبتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم، وعظيم تضحيتهم لنشر دينهم.