حتى إن الحاكم أطلق القول بأن ما صح وروده عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم له حكم المرفوع (١)، إلا أن غيره قيده بما كان في بيان النزول ونحوه مما لا مجال للرأي فيه، وإلا فهو من الموقوف، قال الزرقاني بعد أن نقل ما تقدم عن الحاكم:
(ووجهة نظر الحاكم ومن وافقه، أن الصحابة رضوان الله عليهم قد شاهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا وعاينوا من أسباب النزول ما يكشف لهم النقاب عن معاني الكتاب، ولهم من سلامة فطرتهم، وصفاء نفوسهم، وعلو كعبهم في الفصاحة والبيان، ما يمكنهم من الفهم الصحيح لكلام الله، وما يجعلهم يوقنون بمراده من تنزيله وهداه (٢).
هذه أقسام التفسير بالمأثور المجمع عليها بين علماء علوم القرآن وأصول التفسير، وهناك من يضيف قسما رابعا، وهو:
تفسير القرآن بأقوال التابعين، ولا نطيل في الكلام عن هذا، ولنقتصر على ذكر القول الراجح في ذلك وهو:
قول التابعي في التفسير ليس بحجة، فلا ينبغي الجمود عند قوله، ولا أن نعطل فهم القرآن، أو نحجم عن تفسيره اكتفاء بفهمه واستغناء بتفسيره، بل يجب أن يكون باب التأمل في الآيات مفتوحا، وذهن من أهّل لاستنباط ما فيها من أسرار ومعارف مشغولا، اللهم إلا فيما أجمعوا عليه، فإن الإجماع حجة ملزمة، وإلى هذا جنح الدكتور الذهبي رحمه الله تعالى حيث قال:
والذي تميل إليه النفس هو أن قول التابعي في التفسير لا يجب الأخذ به إلا إذا كان مما لا مجال للرأي فيه، فإنه يؤخذ به حينئذ عند عدم الريبة، فإن ارتبنا فيه بأن كان يأخذ من أهل الكتاب، فلنا أن نترك قوله ولا نعتمد عليه، أما إذا أجمع التابعون على رأي فإنه يجب علينا أن نأخذ به ولا نتعداه إلى غيره (٣).
(٢) انظر مناهل العرفان ٢/١٣، وانظر البرهان ٢/ ٢٩٣.
(٣) انظر التفسير والمفسرون ١/١٢٨-١٢٩.