أقول: لعل بقاء تفسير التابعين خارج دائرة التفسير بالمأثور هو الأولى، ما لم يكن هناك إجماع منهم ـ والله تعالى أعلم ـ.
المبحث الثاني
علاقته بالتفسير المعاصر
المطلب الأول: كونه ركيزة الانطلاق في التفسير.
إن الدعوة إلى الالتزام بالتفسير بالمأثور، والاهتمام به، والتذكير بوجوب الأخذ به وعدم تجاوزه، لا يعني الجمود عليه، والوقوف عنده، إذ لا يخفى ما في هذه النظرة من قصور، وحجر على الإفادة من فيوضات القرآن غير المحدودة، ذاك الكتاب العظيم الذي قال الله فيه: ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾النحل/٨٩، فلا يصح ولا يقبل أن يكون التفسير بالمأثور عائقا عن الانتهال من ذلك المعين الذي لا ينضب.
وإنما يعنى بذلك أن يكون ما صح من التفسير بالمأثور هو الأساس الذي يبني عليه المفسر ما يمكن أن يضيفه من أفهام جديدة، كشفت عنها معطيات العصر، ومستجدات الحياة.
(فالتفسير بالمأثور هو القاعدة الأساسية، والركيزة الجوهرية، التي ينبغي أن ينطلق منها كل مفسر) (١)، وفي هذا يقول الإمام البيهقي في قوله تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾: فما ورد بيانه عن صاحب الشرع ففيه كفاية عن فكرة من بعده، وما لم يرد بيانه ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده، ليستدلوا بما ورد بيانه على ما لم يرد) (٢)
ويقول القرطبي وهو يتكلم عن وجوه منع تفسير القرآن بالرأي:
(والوجه الثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل..)، إلى أن يقول: (والنقل والسماع لا بد له منه في ظاهر التفسير أولا ليتقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط) (٣).

(١) انظر مناهج المفسرين ص٥٥، للدكتور أحمد الشرقاوي.
(٢) ذكره الزركشي في البرهان ٢/٣٠٤، والسيوطي في الإتقان ٣/٣٥٩، ونسباه إلى المدخل للبيهقي.
(٣) انظر الجامع لأحكام القرآن ١/٣٤.


الصفحة التالية
Icon