والأمثلة على ذلك متعددة، وأرى أن خير مثال واقعي مفيد نذكره هنا هو تفسير النبي ﷺ للقوة في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾الأنفال/٦٠، فهذه آية عظيمة فيها أمر إلهي لعباده المؤمنين بأن يبذلوا جهدهم في إعداد ما استطاعوا من قوة لعدوهم (١)، وقد صح عن النبي ﷺ أنه فسر هذه القوة بالرمي، كما في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: (ألا إن القوة الرمي) ثلاثا (٢).
ولا يخفى ما تشهده البشرية اليوم من التطور الهائل في أنواع السلاح، فهل يفهم من الحديث الحصر، وأنه لا يجوز إضافة شيء من التفسير إليه؟ نقول في جواب هذا السؤال: لا شك أن الحصر غير مراد، وإنما أراد النبي ﷺ أهم أنواع الأسلحة وهو الرمي، فلا مانع إذن من إضافة بعض وجوه القوة الأخرى مثل: القوة الاقتصادية والسياسية والعلمية والصناعية فإن اللفظ يتسع لذلك، بل قد يضاف إليها أيّ وجه آخر قد يكشف عنه المستقبل، ما دام اللفظ يتسع له ولا يأباه.

(١) ينظر بيان المراد بقوله تعالى: ﴿ترهبون﴾، وربط هذه الآية بسابقتها، في بحثنا: (الاستطاعة بين التقوى وإعداد القوة وأثرها في مواجهة التحديات)، المنشور في وقائع مؤتمر "الاجتهاد في القرن الحادي والعشرين تحديات وآفاق"٢/٩٦ الذي عقد في كوالالمبور بماليزيا في ١٠-١٢/٨/١٤٢٩هـ الموافق ١٢-١٤/٨/٢٠٠٨م.
(٢) أخرجه مسلم برقم ١٩١٧ عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال على منبره ثلاثا: (ألا إن القوة الرمي)، في كتاب الإمارة ـ باب: فضل الرمي والحث عليه ٣/١٥٢٢.


الصفحة التالية
Icon