وأما قوله: ولا أستطيع أن أفهمه على هذا الوجه... إلخ: فإن اللبس جاء من أن خلط الإيمان بالشرك لا يتصور، وليس الأمر كما توهم، لأن المراد: أنه لم تحصل لهم الصفتان كفر متأخر عن إيمان متقدم أي: لم يرتدوا. ويحتمل أن يراد: أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهراً وباطناً، أي: لم ينافقوا. ذكر هذا الحافظ ابن حجر وقال: وهذا أوجه ولهذا عقبه المصنف ـ أي البخاري ـ بباب علامات النفاق، وهذا من بديع ترتيبه رحمهما الله تعالى (١). ثم إن من فوائد الحديث: أن من لم يشرك بالله تعالى شيئا فله الأمن وهو مهتد (٢) على خلاف ما ذهب إليه الدكتور في فهمه السابق، فإنه قد ضيق واسعا!!
المطلب الثالث: نماذج من غير المرفوع، مقارنا بمعطيات العصر.
وأمثلة هذا النوع كثيرة جدا والحمد لله، خذ مثلا قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ الأنبياء/٣٠، ففي المأثور نجد أن الحاكم أخرج أثرا وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات (٣).
(٢) السابق، والنووي على مسلم ٢/١٤٣.
(٣) أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: قلت طلحة واه (٢/٤١٤)، والبيهقي في الأسماء والصفات والفريابي وعبد بن حميد كما في فتح القدير ٣/٤٠٦، وذكره ابن عطية ١٠/١٤١ دون أن ينسبه إلى ابن عباس مستشهدا بقوله تعالى: ﴿والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع﴾ الطارق١١و١٢ وقال: وهذا قول حسن، يجمع العبرة وتعديد النعمة، والحجة بمحسوس بين، ويناسب قوله تعالى: ﴿وجعلنا من الماء كل شئ حي﴾، أي من الماء الذي أوجد الفتق، فيظهر معنى الآية ويتوجه الاعتبار.