ونبدأ ببيان المراد بالتفسير بالمأثور، وذلك يقتضينا أن نعرف باختصار كلا من التفسير والمأثور، ثم نوضح المراد بذلك، وإنما قلنا باختصار لأن المقصد من هذا البحث ليس الحديث عن التفسير بالمأثور، وإنما بيان أهميته وإبراز التكامل المعرفي بينه وبين ما يتبعه من تفاسير معاصرة، فنقول وبالله تعالى التوفيق:
أما التفسير لغة: فإن محور مادته هو الكشف والإيضاح، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ الفرقان/٣٣، فالفسر الإبانة وكشف المغطى، يقال: فسرت اللفظ فسرا، من باب ضرب ونصر (١)، وقال الراغب: الفَسْر والسَّفْر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، لكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار، فقيل: سفرت المرأة عن وجهها، وأسفر الصبح (٢).
وأما اصطلاحا: فقد تعددت تعريفاته، ولعل أحسنها وأجمعها قول من قال:
هو علم يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد، من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية (٣).
وسر ترجيح هذا التعريف على غيره لأمرين:
الأول: كونه مختصرا وجامعا مانعا.
الثاني: لقيد بقدر الطاقة البشرية، إذ الوصول إلى مراد الله تعالى متعذر، ولملاحظته الغاية من نزول القرآن الكريم.
وأما المأثور، لغة: فهو مأخوذ من الأثر، وهو بقية الشيء، جمع آثار وأثور، والأثر: مصدر قولك أثرت الحديث آثره، إذا نقلته عن غيرك ورويته، ومن هنا قيل: حديث مأثور أي يخبر الناس به بعضهم بعضا أي ينقله خلف عن سلف (٤).

(١) انظر القاموس ٢/١٥٦، التعريفات ص٨٧.
(٢) انظر مقدمة التفسير للراغب الأصفهاني ص ١٦٢، ومفردات القرآن له ص ٦٣٦ مادة: فسر.
(٣) انظر مناهل العرفان ٢/٦.
(٤) انظر لسان العرب ١/٦٩، والقاموس ١/٦٨٢ مادة: أثر.


الصفحة التالية
Icon