أما ما ثبت في القرآن نفسه، فأمره واضح إذ هو قول الله تعالى، والله جل وعلا أدرى بأسرار كلامه، وهو سبحانه وتعالى أعلم بمراد نفسه من غيره (١)، ولذا فقد عد العلماء هذا اللون من التفسير في الدرجة الأولى، وأنه من أعلى المصادر وأجودها، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (إن أصح الطرق في ذلك ـ أي في التفسير ـ: أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر) (٢).
وإذا علمنا أن تفسير القرآن بالقرآن لا يعني تفسير المفردات والجمل فحسب، وإنما يعني وجوها أخر من مثل: تفسير العام بالخاص، والمطلق بالمقيد، والمجمل بالمبين، وتفسير ما جاء موجزا بما جاء مطنبا، وتفسير إشكالات معينة، ونحو ذلك.
إذا علمنا هذا أدركنا أن ثمة قدرا لا بأس به يمكن تحصيله من هذا اللون من التفسير.
ومثل هذا يقال في تفسير النبي صلى الله عليه و سلم، الذي يأتي في الدرجة الثانية من ألوان التفسير، إذ هو صلى الله عليه و سلم المكلف بالبيان والشرح، وأن خير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم، مع أنا نقطع بعصمته وتوفيقه صلى الله عليه و سلم (٣)، كما قال تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ النحل/٤٤.
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:
إن مما أنزل الله من القرآن على نبيه ﷺ ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك تأويل جميع ما فيه من وجوه أمره واجبه ومندوبه، وإرشاده، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله ﷺ لأمته.
(٢) انظر مقدمة في أصول التفسير ص ٩٣.
(٣) انظر مناهل العرفان ٢/١٣.